بعض اكبر المؤسسات المالية الأميركية التي تعاني من خسائر هائلة تعتمد الآن على مصدر جديد يكتنفه الغموض من النقد والسيولة المالية. هذا المصدر هو حكومات عربية وآسيوية. مؤسسة سيتي كورز المالية العملاقة اعلنت هذا الأسبوع أنها باعت حصة نسبتها 8 في المائة من الشركة بملبغ حوالي 15 بليون دولار لمجموعة من المستثمرين من بينهم حكومة سنغافورة والأمير السعودي الوليد بن طلال. جاءت هذه الصفقة في وقت عانت فيه المؤسسة من خسائر في الربع الرابع مقدارها عشرة بلايين دولار. مؤسسة مالية اخرى هي ميريل لينش التي اعلنت ايضا عن خسائر كبيرة هذا الأسبوع قررت بيع حصة من الشركة مقدارها حوالي 7 بلايين دولار لصندوقين ماليين تديرهما الكويت وكوريا الجنوبية. وهذه هي المرة الثانية في الأشهر الأخيرة التي سعت فيها المؤسستان الى نجدة عاجلة من صندوق مالي اجنبي تهيمن عليه حكومات عربية أو آسيوية. والسبب وراء الحاجة الماسة الى نجدة مالية اجنبية هو الأزمة الائتمانية الطاحنة في الولاياتالمتحدة والتي لم تترك للمؤسسات الأميركية خيارا سوى قبول الاستثمارت العربية والآسيوية الواسعة. كانت الدول العربية والآسيوية ذات يوم قانعة باستثماراتها في السندات المضمونة من وزارة الخزانة الأميركية، ولكنها اليوم تكدس مجموعة من اكبر الاستثمارات في التاريخ في صفقات مع مؤسسات اميركية متداعية في قطاع المال. وفي الأشهر الأخيرة استثمرت صناديق المال العربية والآسيوية 40 مليار دولار في بعض اكبر المؤسسات الأميركية مثل يو بي إس، ومورجان ستانلي وبير ستيرنز. اكبر الاستثمارات حجما في العالم تملكه هيئة استثمارات ابوظبي ومقدارها 875 بليون دولار. في العام 2006 ثار جدل كبير في الولاياتالمتحدة عندما حاولت مؤسسة في دبي شراء بعض الموانئ الأميركية، وأدى اعتراض بعض المشرعين الأميركيين الى انسحاب دبي من الصفقة طوعا. ولكن لم يقع جدل مماثل عندما اشترت دبي في شهر يونيو الماضي شركة الملابس الأميركية بارنيز في نيويورك ودفعت 825 مليون دولار في الصفقة. ولم يقع جدل مماثل عندما اشترت دبي حوالي 20 في المائة من سوق اسهم ناسداك. لكن بعض اعضاء الكونجرس الأميركي يدق اجراس الإنذار لأنهم لا يعرفون على وجه التحديد من الذي يهيمن على الصناديق المالية العربية التي تستثمر في الولاياتالمتحدة. والمستثمرون العرب من جانبهم يحاولون عدم اثارة الشبهات او الشكوك او المخاوف او التساؤلات عن طريق ما يعرف بالاستثمار السلبي. وهذا يعنى انهم يستثمرون ولكنهم لا يشاركون في صنع القرار. كما انهم يحرصون على الحفاظ على استثماراتهم في نطاق نسبة صغيرة لا تثير المخاوف. لكن برغم ذلك فإن المخاوف موجودة. فقط طلب اعضاء في لجنة البنوك في مجلس الشيوخ الأميركي دراسة يجريها مكتب المحاسبات الحكومية بشأن هذه الاستثمارات الأجنبية التي توسعت اليوم وشملت ليبيا وايران واستراليا والنرويج والصين وروسيا. هذه النقلة الكبيرة في القوة جاءت ليس من الدول العربية والآسيوية بل من تدهور الاقتصاد الأميركي في الأشهر الأخيرة.