حفلت الحكومة اللبنانية الجديدة، بأسماء عدد من الوزراء اعتبرهم الخبراء فى لبنان بمثابة المفاجأة التى لم تتسرب إلى الإعلام، على عكس ما كان يحدث فى كل مرة، حيث كانت قائمة الأسماء تتداول بشكل علني، ومع هذا لم يتوقف الشارع اللبنانى طويلا أمام أسماء الوزراء، على الرغم من أن هذه الأسماء كانت سببا للتعطيل الذى تجاوز 13 شهرا، منذ استقالة حكومة الدكتور حسان دياب وبعدها توالت التكليفات دون جدوى حتى وقع الاختيار على الرجل الجاد، نجيب ميقاتى صاحب التجربة السابقة، فى رئاسة الحكومة والخبرة الطويلة فى عالم المال والأعمال، ليترأس الحكومة الجديدة التى شغل تشكيلها العالم بأسره، وكانت مادة لحديث الرؤساء والملوك وشهدت مؤتمرات دولية حوارات عن الحكومة اللبنانية. جاءت حكومة نجيب ميقاتى الجديدة بأسماء غير سياسية، وإن كانت مدعومة من القوى السياسية، لتحمل إرثا ثقيلا يعج بالمصاعب التى تحتاج إلى جهود جبارة لتجاوزها من بين الدين العام اللبناني المهول، الذى لا يتناسب مع دولة فى حجم لبنان تعدادا ومساحة، مع تراجع العملة اللبنانية أمام الدولار الأمريكى بشكل غير مسبوق وتجميد أرصدة المودعين من المواطنين والمستثمرين، مع تفاقم مشكلة المحروقات والطاقة، التى بسببها يتحول لبنان إلى بلد يفتقد أبسط مقومات الحياة فى توفير نظام إنارة طبيعى مثل بقية دول العالم. من الأسماء التى أحدثت مفاجأة، الإعلامى جورج قرداحى، الذى تم إسناد حقيبة الإعلام له، فى مهمة صعبة من حيث التوقيت والاحتياجات، وتلا للمرة الأولى، تفاصيل ما دار فى اجتماع الحكومة، وهو بملامح جادة تعطى انطباعا عن أن المسار سيكون شاقا. ومن الوزراء الجدد، أيضا مدير مستشفى رفيق الحريرى الحكومى فراس أبيض، الذى عرف بنجاحه فى التعامل مع أزمة كورونا، وقد عين وزيرا للصحة، والدكتور ناصر ياسين وزيرا للبيئة، وهو أستاذ بالجامعة الأمريكية. لم ينتظر رئيس الوزراء المكلف حصول حكومته على ثقة المجلس النيابى بعد إلقاء البيان الوزاري، وبدأ ممارسة مهامه منذ اللحظة الأولى لإعلان تشكيلة الحكومة كما لو كان يسابق الزمن، فيما يساند بكل قوة رؤساء الحكومات السابقين ميقاتي، حيث غرد على موقع توتير سعد الحريرى رئيس الوزراء الأسبق، أن بيان ميقاتى يعبر عنى وله كل الدعم فى إشارة إلى حجم التأييد الذى يحظى به ميقاتى من الحريرى ورؤساء الوزراء السابقين، هذا فى الوقت الذى يحاول فيه كل فريق سياسى أن يثبت نظريته، فهناك من يعتقد أنه نجح فى فرض المناسب للبنان، كما جاء فى تصريح على لسان جبران باسيل، رئيس التيار الوطنى الحر، وقال إن تياره لم يشارك فى الحكومة، لكن رئيس الجمهورية لم يتنازل عن الثوابت. مركز الدولية للمعلومات، يرصد تقريرا يعكس حالة الفراغ التى مر بها لبنان منذ انتخاب الرئيس عون، مما يدلل على عطش اللبنانيين لحكومة جديدة، تستطيع أن تتعامل مع المجتمع الدولى وتستقبل الدعم والمنح وتبرم خطة الإصلاح الاقتصادى مع صندوق النقد الدولى وتفعيل العلاقة مع البنك الدولي، وتبدأ فى مسار إيجابى لمعالجة قرار الحكومة السابقة بالتوقف عن سداد خدمة الدين اللبناني. وذكر التقرير منذ انتخاب العماد ميشال عون، رئيساً للجمهورية اللبنانية فى 31 أكتوبر 2016، وحتى يوم 10 سبتمبر 2021، تاريخ الحكومة الجديدة، تشكيل 4 حكومات وحالتى اعتذار عن التشكيل، و696 يوماً من الفراغ الحكومى وتصريف الأعمال، ما يشكل نسبة 40 % من أيام عهد الرئيس عون حتى تاريخ تشكيل الحكومة الجديدة، فحكومة الرئيس حسان دياب استمرت 366 يوماً فى تصريف الأعمال، وهى الفترة الأطول فى تاريخ الحكومات، وقد سبقت بذلك حكومة الرئيس نجيب ميقاتى فى العام 2013 والتى استمرت 315 يوماً فى تصريف الأعمال، فيما توقع الدكتور سمير جعجع، أن يكون مصير الحكومة هو نفس مصير حكومة دياب. وقال رئيس حزب القوّات اللبنانية، إن الأهم من كل ذلك، ومن تشكيل الحكومة بحد ذاتها، وهى ليست إلا حبة دواء قد تسكن الألم موضعياً، هو الوقت الضائع قبل الذهاب إلى العلاج الفعلى الذى يستأصل جذور الأزمة من خلال انتخابات نيابية مبكرة تنتج حكومة حقيقة فاعلة، خصوصاً أن ثمة ثمانية أشهر على اللبنانيين أن ينتظروها، حتى موعد الانتخابات فى مايو، وهو وقت طويل جداً فى ظل أزمات قاتلة يقبعون فى ظلها. لكن فيما لو أجرينا الانتخابات الآن، سنوفر الكثير من المآسى والعذاب والمشقّات التى يتكبدها اللبنانيون يومياً، لأن الحكومة الحالية لا يمكن أن تنتج إلا ما أنتجته سابقاتها، لا سيما حكومة الرئيس حسان دياب، الذى نأخذ عليه تقاعسه غير المقبول عن مواجهة الأزمات، وتحمل المسئوليات الجسام بذريعة «تصريف الأعمال». أما بالنسبة لما إذا كان سيمنح تكتل «الجمهورية القوية» الثقة للحكومة؟، قال جعجع: «موقفنا المبدئى من كل الحكومات السابقة هو نفسه، غير أن التكتل سيجتمع ويناقش البيان الوزارى ويدرس تركيبة الحكومة، علماً بأن ليس ما يشجع على الثقة، ما دامت المنظومة السيئة ذاتها كان لها اليد الطولى فى إنتاج هذه الحكومة، مع تكرار تقديرى لبعض الوزراء، لكن ثمة عينة غير مشجعة، فلننتظر البيان الوزارى ونبنى فى ضوئه على الشيء مقتضاه». رئيس مجلس الوزراء، نجيب ميقاتي، صرح فى اليوم الأول من نشاطه فى السراى الحكومى "أن الأولوية ستكون الاهتمام بحاجات الناس ومعالجة شئونهم الملحة، وسننطلق من التوجه الأساسى بأننا فريق عمل واحد فى خدمة جميع اللبنانيين، وسنعمل بهذه الروحية". وكان ميقاتي قد وصل إلى السراى الحكومي، عند الثانية عشرة والنصف من بعد ظهر الأحد الماضى، حيث كان فى استقباله الأمين العام لمجلس الوزراء القاضى محمود مكية، وأقيم له استقبال رسمى، واستعرض سرية حرس رئاسة الحكومة، وعزفت موسيقى قوى الأمن الداخلى ترحيباً. ثم صافح كبار موظفى رئاسة الحكومة، وبعدها انتقل إلى مكتبه حيث استقبل عدداً من كبار موظفى رئاسة الحكومة. ولدى دخوله إلى السراى الحكومى سئل ميقاتى عن الكلمة التى يقولها لدى دخوله فأجاب: "وقل رب أدخلنى مدخل صدق وأخرجنى مخرج صدق واجعل لى من لدنك سلطانا نصيرا" . تعامل اللبنانيون مع حدث تشكيل الحكومة بمواقف متباينة، فهناك من اعتبر الحدث بداية النهاية لحالة الجمود، الذى يعانى منه لبنان وهناك من ربط بين الأمر وقدرة الدولة اللبنانية على اتخاذ القرار فى التوقيت المناسب، وهذا ما عبر عنه الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، وقال: «نرحب بتشكيل الحكومة فى هذه المرحلة الصعبة من تاريخ لبنان»، وأضاف: «نحن طالما دعونا بكل صدق لتشكيلها ونشكر لكل من أسهم وأنجز وساعد فى التشكيل. كما نشكر رئيس الحكومة السابق حسان دياب، الذى عمل طوال فترة تصريف الأعمال لمدة عام كامل كما الوزراء». وتابع: «إننا نتطلع إلى حكومة تقوم بالإنقاذ والإصلاح وإعطاء الأولوية لتخفيف معاناة الناس، لأن البلد أصبح فى قلب الانهيار، ونحن نؤيد التحضير للانتخابات النيابية والبلدية وندعو لإجرائها فى موعدها. وندعو لمنح الحكومة الثقة فى أسرع وقت لأن الوقت أصبح ضيقا، وعليها القيام بمجموعة من الخطوات الإصلاحية، والمطلوب منا جميعا التضامن للتخفيف عن الناس وإعطاء الحكومة الوقت المطلوب لها للإنجاز». رئيس المجلس الوطنى للإعلام المرئى والمسموع، عبد الهادى محفوظ، قال: «قد تكون الإيجابية اللافتة للنظر فى تشكيل الحكومة الجديدة برئاسة الرئيس نجيب ميقاتي، أنها أوقفت السقوط الحر للدولة اللبنانية، الذى كان قد توقعه وزير الخارجية الأمريكى جوزيف بلينكن». مشيرا إلى أن «السقوط الحر، هو تتويج لنظرية أمريكية تعاملت مع الوضع اللبنانى على قاعدة التآكل البطيء والدولة الفاشلة والجماهير الهائمة، بعد التحكم بأهل الحكم والمعارضة ومؤسسات الدولة وهيئات المجتمع المدني»، لافتًا إلى أن «الوضع اللبنانى قد أصبح عموما فى قبضة الخارج الدولي، وتحديدا الأمريكي». ورأى محفوظ، أن «الإبقاء على فكرة الدولة هو مكسب لبناني، إذا تطلعت الحكومة الجديدة إلى مصالح اللبنانيين، واستفادت من ظروف الواقعين الدولى والإقليمي، وهى ظروف تتيح نسبيًا إمكان توفير الغاز والبنزين والمازوت والكهرباء ودعم المؤسسات الدولية، بما فيها صندوق النقد الدولي، لأن لا أحد يريد الانهيار الكامل للبلد، فى الوقت الذى يتم فيه ترتيب الخريطة الإقليمية، ومصالح الأطراف مجتمعة»، مشددًا على أن «الإعلام اللبنانى يلعب دوره هنا فى حماية مصالح اللبنانيين، وتهدئة الرؤوس الحامية على اختلافها». وكشف عن أن «المجلس الوطنى للإعلام المرئى والمسموع، يرحّب بوزير الإعلام الزميل جورج قرداحي، الذى جاء من الوسط الإعلامى والخبير بالواقع الإعلامى والحريص على الحريات الإعلامية، التى هى ميزة لبنان فى المحيط، ويأمل المجلس بالتعاون مع وزارة الإعلام والمؤسسات الإعلامية على اختلافها فى رسم رؤية إعلامية إنقاذية للبلد، خصوصًا أن لا أحد يستفيد من الحروب الإعلامية العبثية التى لا تبنى وطنا ولا إعلاما». فى أول جلسة لمجلس الوزراء، قال ميقاتي: "ينتظرنا الكثير من العمل والتعب وعلينا جميعا أن نضحي، والبلد يتطلب إجراءات استثنائية". وتابع: "صحيح أننا لا نملك عصا سحرية، فالوضع صعب للغاية، لكن بالإرادة الصلبة والتصميم والعزم والتخطيط نستطيع جميعا، كفريق عمل واحد، أن نحقق لشعبنا الصابر والمتألم بعضا مما يأمله ويتمناه". وتوجه إلى الوزراء: "لا تخيبوا آمال اللبنانيين. لتكن أقوالكم مقرونة بالأعمال. الوقت ثمين ولا مجال لإضاعته. نجاحكم فى وزاراتكم يعنى نجاح جميع اللبنانيين فى الوصول إلى ما يؤمن لهم حياة كريمة لا ذلّ فيها ولا تمنين، واطلب منكم الإقلال من الإطلالات الإعلامية، لأن الناس تتطلع إلى الأفعال ولم يعد يهمها الكلام والوعود، والأمور بالنسبة للناس فى خواتيمها". وأضاف: "أن حكومتنا ستعمل من أجل كل لبنان، ومن أجل جميع اللبنانيين، ولن تميز بين من هو موال أو معارض، من أعلن دعمه لنا ومن لم يعلن ذلك، ومن سيمنحها ثقته أو من سيحجبها عنها، وسنمارس هذا الدور من دون أى كيدية وذلك تحت سقف القانون". كان ميقاتى يتحدث عن الثقة، التى ينتظرها بيان الحكومة من مجلس النواب ولهذا اختار، مجلس الوزراء فى جلسته الأولى اللجنة الوزارية لصياغة البيان الوزارى وتضم، نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي، ووزراء العدل هنرى خوري، الطاقة وليد فياض، المال يوسف خليل، الثقافة محمد مرتضى، التنمية الإدارية نجلا الرياشي، الداخلية بسام مولوي، الإعلام جورج قرداحي، التربية عباس الحلبي، الزراعة عباس الحاج حسن، والعمل مصطفى بيرم، وذلك برئاسة رئيس الحكومة. "جبهة المعارضة اللبنانية"، أصدرت بيانا، قالت فيه: "طال انتظار اللبنانيين لحكومة إنقاذ، تساعد على الخروج من محنتهم التى تطال الجوانب الحياتية الأساسية، بحيث تبين عبر أداء أطراف المنظومة وطريقة إدارتهم للأزمة طيلة الفترة الماضية أن الأبعاد السياسية، تكاد تكون وراء تفاقمها، وأن هذا الاستعصاء عطل تأليف الحكومة لمدة تجاوزت ال13 شهرا على رغم الانهيارات المتسارعة التى أدت إلى زيادة معدلات الفقر إلى أكثر من 80 فى المائة". لبنان يبدأ مرحلة جديدة، تتشابك فيها الأيدي، وهو ما كان مفتقدا من قبل بعيدا عن حالة الخوف التى تنتاب البعض، فهناك متغيرات جرت على الأرض مهدت الطريق أمام الحكومة، وفتحت بابا من التواصل مع سوريا بما تمثل الحدود المشتركة مع لبنان من أهمية للدولة اللبنانية وسط عدم احتجاج، كما كان يحدث من زعماء بارزين فى المقدمة منهم الحريرى ووليد جنبلاط، مما يضع حكومة ميقاتى فى مواجهة التحدى الوحيد، وهو النجاح حتى لا يتسرب الإحباط إلى الشعب المتأزم.