أكد خبراء سياسيون واستراتيجيون أهمية اللقاءات الأخيرة التى عقدها الرئيس الروسى فلاديمير بوتين مع ولى العهد السعودى محمد بن سلمان وولى عهد أبوظبى محمد بن زايد، معتبرين أنها تشكل تحولًا كبيرًا فى الدبلوماسية الروسية وربما تسفر عن متغيرات ومفاجآت على صعيد الأزمة السورية، خلال الفترة المقبلة من أجل تسوية تلك الأزمة التى دفع ثمنها الشعب السورى وتكبد خسائر بشرية فادحة. كان الرئيس الروسى فلاديمير بوتين عقد لقاءات متتالية مع ولى العهد السعودى محمد بن سلمان وولى عهد أبوظبى محمد بن زايد، وذلك للمرة الأولى منذ بدء الغارات الروسية على مواقع المعارضة السورية التى أدانتها السعودية، فى بيان رسمى؛ فيما لم تعلن الإمارات موقفًا واضحًا منها، وقد تمت تلك اللقاءات فى مدينة سوتشى الروسية التى تحتضن فعاليات سباق فورميلا-1. أجرى بوتين محادثات مع وزير الدفاع السعودى تناولت فرصة التوصل إلى تسوية سياسية للنزاع فى سوريا، حيث تشن موسكو ضربات جوية منذ نهاية سبتمبر الماضى، وقال وزير الخارجية الروسى سيرجى لافروف: "نحن فى تعاون وثيق مع السعودية منذ أعوام حول الأزمة السورية، وقد كرر الرئيس بوتين تفهمنا لقلق السعودية، وأن لدى السعودية وروسيا أهدافًا مماثلة بالنسبة إلى سوريا، وقبل كل شىء المطلوب عدم السماح لخلافة إرهابية بالسيطرة على البلاد". وتابع لافروف: "بعد هذد المحادثات بتنا نفهم فى شكل أفضل كيفية توجهنا إلى تسوية سياسية"، داعيًا الدول المعنية بالنزاع إلى استخدام نفوذها لدى أطرافه لتسهيل الحوار، وأشار إلى استعداد موسكو لتعاون أكبر مع الرياض، وقال: "لتبديد أى شك فى أن الأهداف التى يضربها الطيران الروسى هى فعلا منشآت لتنظيم الدولة الاسلامية وجبهة النصرة ومجموعات إرهابية اخرى". من جهته، عبر محمد بن سلمان عن قلق الرياض حيال التدخل العسكرى الروسى فى سوريا واحتمال قيام تحالف بين روسياوإيران، مشددًا على أن بلاده تؤيد تسوية سياسية للنزاع شرط أن يشمل ذلك تنحى الرئيس بشار الأسد، حليف موسكو. وقال وزير الخارجية السعودى عادل الجبير: "الرياض عبرت عن مخاوفها من أن تعتبر هذه العمليات تحالفًا بين إيرانوروسيا، ولكن خلال الحوار أوضح الأصدقاء الروس للسعودية أن الهدف الرئيسى هو محاربة تنظيم الدولة الإسلامية والإرهاب". كان الرئيس الروسى قد التقى أيضًا ولى عهد أبوظبى محمد بن زايد، وكشفت مصادر أن أجندة اللقاء كانت تتضمن موضوعات سياسية واستثمارية، وأوضحت أن بوتين قال فى مستهل اللقاء إنه يود التطرق إلى الموضوعات المتعلقة بالعلاقات الروسية الإماراتية فى مختلف المجالات، كما اقترح تبادل الآراء حول حالة الأمور فى منطقة الشرق الأوسط ولاسيما فى سوريا وتركيا من زاوية ضرورة مكافحة الإرهاب. وعلى خلاف الموقف السعودى لم تعلن الإمارات العربية عن موقف واضح من التدخل الروسى الإيرانى فى سوريا، وكانت 3 دول فقط فى المنطقة هى السعودية وتركيا وقطر قد أدانت التدخل فى بيان أصدرته. فيما لم ترشح معلومات تفصيلية عن المباحثات السياسية التى شهدتها الزيارة، إلا أن الأجندة الاقتصادية لزيارة ولى عهد أبوظبى قد تم الكشف عنها؛ حيث قال الكرملين إن اللقاء ركز على مكافحة الإرهاب وعلى تعزيز التعاون التجارى والاقتصادى بين البلدين، وأضاف فى أعقاب الزيارة أن مستثمرى دولة الإمارات العربية المتحدة مستعدون للاستثمار فى مشاريع الشركات المملوكة للدولة الروسية فى العديد من القطاعات بما فى ذلك الطاقة النووية والزراعة والموارد الطبيعية بحجم استثمارات يصل إلى 7 مليارات دولار. وكان الكرملين قد أعلن فى وقت سابق أن الرئيس الروسى فلاديمير بوتين سيبحث مع وزير الدفاع السعودى وولى عهد أبو ظبى قضية النزاع فى سوريا. تشن روسيا ضربات جوية على أهداف للمعارضة السورية منذ أكثر من أسبوعين فيما تتهم واشنطن وأنقرة، موسكو باستهداف المعارضة السورية التى توصف ب"المعتدلة" فى الوقت الذى تقول فيه روسيا إنها تستهدف مواقع تنظيم الدولة الإسلامية "داعش". من جهته، اعتبر جورج جبور، الكاتب والمحلل السورى، أن ما تقوم به موسكو يشكل تحولًا جذريًا على صعيد المشاورات الدبلوماسية، بالإضافة إلى العمليات العسكرية التى تقوم بها فى سوريا، متوقعًا ان تشهد الفترة المقبلة متغيرات للدفع قدما بحل للازمة السورية التى طال أمدها وأن تسعى كافة الاطراف الى ايجاد حل سياسى، مشيرا الى أهمية المشاورات بين موسكو والمملكة العربية السعودية والتى بدورها تعانى من عمليات ارهابية كما ان هناك مشاورات بين موسكو والامارات تتركز على دعم المساعى الرامية لمكافحة الارهاب وحل الازمات في سوريا وغيرها من دول المنطقة، ولفت إلى أن الخطوات التى تقوم بها موسكو فى سوريا تتم بتنسيق على مستوى كبير مع الولاياتالمتحدةالامريكية. وفى السياق ذاته، أكد حامد السيد، الخبير الاستراتيجى، أن النشاط العسكرى الذى تقوم به موسكو الحليف الأساسى للنظام السورى وصاحبة المصالح الكبرى للتواجد فى منطقة الشرق الاوسط إلى جانب جهودها الدبلوماسية مع الاطراف الاقليمية الاخرى كالسعودية والامارات، من المتوقع أن تفضى الى متغيرات تؤدى لانفراجة فى الأزمة الراهنة، موضحًا أن الدور المصرى أيضًا لا يمكن اغفاله، إذ تستعد القاهرة لاستضافة مؤتمر للاطراف السورية من اجل التوصل الى حل سياسى بتوافق كافة الاطراف السورية والعمل على وقف نزيف الدماء وتجنب اشعال حرب فى المنطقة. وفى أول رد فعل من جامعة الدول العربية على التدخل الروسى فى سوريا، اعتبر نائب الأمين العام لجامعة الدول العربية، السفير أحمد بن حلى، أن التدخل العسكرى الأجنبى فىسوريا سواء كان روسيًا او غربيًا لن يكون كفيلًا بحسم مصير الحرب الدائرة هناك، والقضاء على التنظيمات الإرهابية بما فيها تنظيم "داعش". وأضاف بن حلى فى رده على تصريح بشأن موقف جامعة الدول العربية من التدخل الروسى فى سوريا، قائلًا: "ينبغى العمل على تضافر الجهود العربية والإقليمية والدولية لدفع الفرقاء المتصارعين فى سوريا حكومة ومعارضة مسلحة، لإيجاد حل سياسى للازمة السورية، وإنقاذ هذا البلد العربى الهام من الانهيار والتقسيم والفوضى الهدامة". وطالب نائب الأمين العام، فى تصريحاته، الدول العربية بتنشيط المسعى الدبلوماسى والحل السياسى وفق مقاربة جديدة تأخذ فى الاعتبار الواقع الراهن وتقود الجهود السلمية نحو إيجاد حل سياسى للازمة السورية وتجفيف البيئة الحاضنة للجماعات الإرهابية فى كل من سوريا والعراق، وأضاف: "من المنتظر أن يدعو الأمين العام لجامعة الدول العربية الدكتور نبيل العربى، قريبًا، إلى عقد اجتماعات عربية ستبدأ بمجلس جامعة الدول العربية على مستوى المندوبين لتقديم تقرير عن النشاط الدبلوماسى فى الاممالمتحدة والجهود المتواصلة بشأن القضايا العربية ومستجداتها خاصة القضية الفلسطينية والصراع فى سوريا اليمن والازمة الليبية".