ما الذي يحدث لثورة مصر التي أذهل خلالها المصريون العالم في قيمها وأساليبها وأدواتها وماتلاها في أيامها الأولي بعد أن خلعت مبارك ونظامه فراح الثوار ينظفون الميدان وينظمون المرور ويحرسون المنشأت العامة ؟ ما الذي جري ويجري الآن لنري بوادر وقيعة بين الجيش الحامي والضامن للثورة وبين ثوار اعترفوا بهذا وقدروه؟ ولماذا نري صراعاً علي وليمة لم تكتمل بعد وشجرة لم تثمر و زرع لم يحن موعد حصاده بعد؟ اتراه الخوف من سوابق شهدناها في ثورة يوليو التي يمر الآن عليها 59 عاماً؟ وذلك حين رفعت الثورة مباديء عظيمة لم يتحقق منها أبرز ما وعدت به و هو إقامة حياة ديمقراطية سليمة بل أن ثورة يوليو فعلت عكس هذا المبدأ حيث إلغت الأحزاب وعاشت مصر في ظلها تحت حكم الحزب الواحد حتي رحيل عبد الناصر واستبدلت استبداد الباشوات والملك باستبداد العسكر بل وأكلت الثورة أبناءها وبات معروفاً الآن كيف أكلت محمد نجيب ويوسف صديق وخالد محي الدين وحسن علام وغيرهم ممن كتبوا مذكراتهم الممتلئة بالألم والوجع ومعظمهم لم تكن جريمته سوي الانحياز للديمقراطية والمطالبة بها فهل يخشي ثوار يناير من نفس المصير رغم اختلاف الظروف والملابسات بين الثورتين فيوليو حركة جيش تحولت لثورة عسكر حماها الشعب ويناير غضبة شعب تحولت لثورة حماها الجيش.. لكن الخوف قائم والرغبة في نيل كل فصيل نصيبه وعلي عجل موجود وإن بدا في بعض الأحيان منكمش في حالة بيات صيفي خاصة عندما يعلو صوت الثورة أولاً فلا يصبح للشعارات الأخري قيمة أو مكان في المشهد الذي ترصده الكاميرات ويراقبه الشعب بل كل شعوب العالم.والمشهد بصورته الحالية وماجري في الجمعة الماضية في التحرير وروكسي ثم العباسية وفي الاسكندرية وفي السويس يثير قلقا حقيقيا فقد برز خلاله أن ثمة قوي تسعي للوقيعة بين الجيش والشعب ؟ صحيح أن هذه المحاولة قائمة منذ برز تلاحم الجيش والشعب في الميدان متجسداً في شعار الجيش والشعب أيد واحدة ومتجسداً أكثر في جيش لم يطلق رصاصة علي متظاهر ولم يضبط متعمداً بتعذيب ثائر من الثوار رغم وجود شبهات تظهر في بعض الأحيان لكنها لا يمكن وصمها أو وصفها بأنها استهداف او تعمد بل يمكن اعتبارها في بعض الأحيان أخطاء واردة الحدوث يجب تصحيحها فوراً وفي كل الحالات ثمة قناعة لدي الأغلبية سواء الثائرة أو الصامتة علي أن الثورة لا تزال بحاجة لأمور كثيرة حتي تكتمل وتبدأ ثمارها في الظهور ويشعر بها الناس سواء فيما يتعلق بالقصاص من قتلة الثوار أو حتي وضع البلاد علي المسار الصحيح لتصحيح أخطاء نصف قرن مضت منها ثلاثون عاماً لمبارك وحده حافلة بالخطايا في حق الوطن والمواطن لكن أيضاًً هناك نقاط خلاف بلغت ذروتها يوم الجمعة الماضي عندما كاد الأمر أن يتحول لصدام بين طرفي الثورة من الشعب والجيش لنري ولأول مرة اتهاما محددا من المجلس العسكري لحركة شباب 6 أبريل.وفي بيان علي صفحته الرسمية علي موقع التواصل الاجتماعي الفيس بوك .حمل رقم 69 حيث دعا المجلس الأعلي للقوات المسلحة جميع فئات الشعب إلي الحذر وعدم الانقياد وراء المخطط المشبوه الذي يسعي إلي تقويض استقرار مصر والعمل علي التصدي له بكل قوة.وأعلن المجلس أن الفتنة التي تسعي إليها حركة شباب 6 أبريل للوقيعة بين الجيش والشعب ما هي إلا هدف من الأهداف التي تسعي إليها منذ فترة وقد فشلت بسبب الخطوات التي اتخذت أخيرا.ونفي المجلس الأعلي للقوات المسلحة، صحة ما تردد عن قيام القوات المسلحة باستخدام العنف ضد المتظاهرين في الاسماعيليةأوالسويس أو أي مدينة أخري.من جانبها نفت حركة شباب 6 ابريل أن تكون قد دعت الي المسيرة التي توجهت مساء الجمعة الماضي من ميدان التحرير إلي مقر المجلس الأعلي للقوات المسلحةورفضت ما جاء بحقها في البيان رقم 69 علي الصفحة الرسمية للمجلس الأعلي للقوات المسلحة علي الفيس بوك.وارجعت الحركة الوقيعة بين الشعب والجيش للتباطؤ في تنفيذ مطالب الشعب المعلنة في ثورة الخامس والعشرين من يناير كما حذرت في الوقت نفسه من وجود محاولات للوقيعة بين القوي السياسية الوطنية، مشيرا في هذا الخصوص إلي ما يبدو من خلاف متزايد بين القوي الليبرالية والإسلامية، مشددا علي أن الثورة المصرية شعبية والشعب قادر علي أن يحافظ عليها.لكن الغريب أن الحركة وفي مؤتمر صحفي لها جددت دعوته لمسيرة سلمية دعت اليها من ميدان التحرير إلي مقر المجلس العسكري للمطالبة بتنفيذ العديد من المطالب الخاصة بالثورة.بالترافق مع هذا التراشق في البيانات ما بين المجلس والحركة دخلت الجماعة الاسلامية علي الخط وفي قلب المشهد ليقول المتحدث الرسمي باسم الجماعة عاصم عبد الماجد أن ميدان التحرير يمتليء منذ 28 يونيو الماضي بالمخدرات والجنس، وأن هؤلاء يريدون سرقة الثورة وخراب البلد ولن نسمح لهم بالاستمرار أكثر من ذلك، فهؤلاء البلطجية أهانوا واعتدوا علي الداعية صفوت حجازي عندما قال لهم اتقوا الله، وأهانوا اللواء طارق المهدي عندما ذهب ليطمئن علي المضربين عن الطعام.وإن كان المتحدث الرسمي باسم الجماعة الإسلامية قد اعتذر خلال محادثة هاتفية له مع برنامج مصر إلي أين علي قناة الجزيرة مباشر مصر لمعتصمي التحرير ليس عن التصريحات بل عند الحدة فيها حيث قال: اعتذر عن بعض الحدة التي جاءت في التصريحات التي أدليت بها لوسائل الإعلام مرجعا السبب في ذلك إلي انقطاع التيار الكهربائي عمدا خلال تصريحاته مما اضطره إلي رفع صوته بحدة حتي يسمع من حوله.وأضاف عبد الماجد إن الميدان يحوي من يريد الخير لمصر ،كما أنه للأسف يحوي من لا يريد الخير لمصر أيضاً.وقال: إن التظاهر أمام المجلس العسكري أو وزارة الدفاع أو المنطقة العسكرية في الإسكندرية كلها خطوط حمراء لا يجب أن نتعداها.وتساءل عبد الماجد لماذا نحاول تحطيم قواتنا المسلحة؟ مجيبا في استنكار من أجل تحقيق بعض المصالح الوقتية!هذه المشاهد التي تمثل ما وصلت اليه الصورة في هذه اللحظة تعكس مخاطر لا يمكن تجاهلها فرغم مسافات التوافق الكبيرة بين الحركات والتيارات السياسية إلا أن مساحات الخلاف هي الأخري مرشحة لأن تكبر مع تمسك كل طرف بما يراه وفي خلفية المشهد هناك لاعبون رئيسيون لا يستهان بهما وهما بقايا الحزب الوطني والذين لا يجب الاستهانة بهم خاصة في معظم محافظات الصعيد وبعض المحافظات النائية حيث تبقي القبيلة اقوي من أي تيار سياسي وهؤلاء يسعون ما استطاعوا للعودة للبرلمان وللساحة السياسية اعتماداً علي وضعهم القبلي والاجتماعي والذي يؤهله لحسم أي انتخابات لصالحهم ولا يمكن علي وجه الدقة معرفة ما يفكرون به مستقبلاً علي وجه الدقة.ثم يبقي الإخوان المسلمون وهم من دفع في الثورة وقبلها الكثير من عناصرهم في المعتقلات وبين المصابين والشهداء وأن كانوا حتي الآن لا يقدمون احصائيات خاصة بهم وهو أمر يحسب لهم وهم يرون أنهم الآن في دور ولي الكبير وهو أمر لا يحتاج لجدال كبير حيث يمكنهم سواء في انتخابات فردية أو بالقائمة حصد اغلبية لا يستهان بها فلن يكن حزبهم الحرية والعدالة وحده بل أن هناك أحزابا أخري هي فروع للإخوان وذخيرة لهم مثل حزب العمل الذي يستعيد قواه ويجدد دماءه الآن ولا يزال موقف الإخوان في الكثير من القضايا مثار قلق للكثير من الحركات والقوي السياسية الأخري فهم يجيدون أمرين لهما دور كبير في القدرة علي الانتصار في العمل السياسي الأول الصمت حين يكون الغموض مطلوباً ومصدر من مصادر قوة الجماعة السياسية والثاني القفز علي التنظيمات ذات التأثير التراكمي علي الرأي العام كالنقابات وكائتلافات الثورة والتي ستشكل جماعة الإخوان قيادتها في المرحلة المقبلة كونها الشريك الأكبر في الثورة وصاحبة التضحيات الأكبر بين الحركات السياسية واليها ينسب الفضل في نجاح الثورة حين حسمت موقعة الجمل بشبابها الذي يمثل الرصيد الضخم لها والذي كان لا يتصدر المشهد في السابق لكنه سيتصدره الآن بعد أن صار في مأمن مقارنة بما كان عليه عصر مبارك والذي كان ضمن منظومته ما يعرف بسياسة تجفيف المنابع علي الجماعة والتي واجهتها الجماعة بسرية منابعها رغم المحاولات الأمنية لإختراق الجماعة والتي كانت تنجح حيناً وتفشل أحياناً إن ثمة تساؤل يفرض نفسه ..هل سيترك الإخوان ميدان التحرير لخلق ميدان خاص بهم اقصد علي مستوي التفكير في الغد ورؤيتهم لمستقبل مصر ؟ الإجابة ليست محسومة ولكن المشهد يشير إلا أن الجماعة ستتواجد في الميدان حين تريد هي وكما تريد لا كما يريد غيرها أو حين يريد.الواضح أن المشهد بصورته الحالية وبخلفيته يشير إلي أن التيار الليبرالي والعلماني لن يظل يغرد في الإعلام منفرداً فقد بدأت الجماعة تزحف عبر الشاشات ومعها التيار السلفي الذي يجيد اختيار متحدثيه علي غرار عبد المنعم الشحات لعرض ما لهم والذي بدأ يساهم في تغيير الصورة النمطية عن السائدة عن الجماعة لدي قطاعات عريضة من الشعب بفضل إعلام السلطة الذي روج للجماعة بوصفها سرية ودموية.. إن نجاح الثورة في حماية أبنائها وفي بناء تحالف قائم علي التألف ستبقي مرهونة بصوت الحكمة الذي يحسم متي يجب أن يغضب الثوار؟ ومتي يجب أن يهدأوا؟والأهم كيف نختلف دون أن يتحول الخلاف إلي صدام خاصة فيما بين الجيش والشعب ومابين التيارات السياسية وبعضها البعض