استمراراً لمسلسل الأزمات التي يشهدها الاقتصاد المصري، فقد نشبت أزمة جديدة بين شركة السكر والصناعات التكاملية ومزارعي القصب، إذ تأخرت الشركة عن سداد 50% من مستحقات المزارعين على خلفية تأخر هيئة السلع التموينية عن سداد مستحقات الشركة، وهذا ما أكدته النقابة العامة للفلاحين. والجدير بالذكر أن شركة السكر للصناعات التكاملية حصلت على نحو 1.5 مليار جنيه من عدد من البنوك العاملة في مصر ولعل أبرزها بنكا الإسكندرية ومصر للمساهمة في سداد مستحقات المزارعين إلا أنه حتى هذه اللحظة لم يتم سداد قرش واحد من هذه المستحقات،علماً بأن مستحقات مزارعى قصب السكر لدى الشركة تقدر بنحو 3.2 مليار جنيه. ولم تتوقف الأزمة في تأخر سداد مستحقات مزارعي قصب السكر وإنما توقفت وزارة التموين عن سحب إنتاج الشركة، وهذا ما أدى لتكدس مخازن الشركة بالسكر المحلي إذ يوجد بداخل المخازن نحو 700 ألف طن، الأمر الذي دفعها لتوقف شراء القصب من المزارعين، علماً بأن وزير التموين خالد حنفي أكد في تصريحاته خلال الأيام الماضية أن الوزارة قررت التعاقد على كل إنتاج شركة السكر والصناعات التكاملية وتوزيعها على بطاقات التموين، إلا أن هذا الأمر لم يحدث. لذا استطلعت النهار آراء عدد من الخبراء والاقتصاديين حول هذه الأزمة، وما هي السبل التي لابد أن تتبعها الحكومة لحلها؟.. وجاءت إجاباتهم خلال السطور القادمة. في البداية أكد الدكتور نادر نور الدين، مستشار وزير التموين الأسبق، أن تأخر سداد مستحقات مزارعي القصب والبنجر، جاء نتيجة تكدس مخازن المصانع بسكر العام الماضي، متهماً وزارة التموين بأنها تتعمد التعامل مع المستورد فقط وترك السكر المحلي لتختفي واحدة من أقدم الصناعات الوطنية في مصر التي أدخلها عبود باشا. وأوضح نور الدين أنه عندما جاء موسم توريد القصب والبنجر- علماً بأنه يتم توريد قصب السكر في شهر يناير والبنجر في شهر فبراير- فوجئ المزارعون برفض المصانع الحكومية والاستثمارية استلام المحصول، وذلك لأن مخازنهم مكدسة بإنتاج العام الماضى من السكر بكميات فاقت مليون وربع المليون طن رغم أننا دولة مستوردة للسكر بنحو 2 مليون طن سكر وبنسبة 32% من احتياجات السوق المحلي، مشيراً إلى أنه لم تصدر أوامر رئيس الوزراء إلى المصانع باستلام المحصول فورا وتدبير اجتماعات عاجلة لوزير التموين مع المصانع والفلاحين لحل مشكلة تصريف مخزون السكر، إلا بعد أن تعالت صرخات الفلاحين عبر وسائل الإعلام بشأن حقهم في أن تتسلم الدولة محصولهم طبقا للمادة 28 من الدستور التي تحتم على الدولة استلام جميع الحاصلات الإستراتيجية وبسعر مربح للفلاح. وقال نور الدين، إن وزير التموين يعطي الأولوية بل الأفضلية للسكر المستورد فى الصرف على بطاقات التموين وتجنيد المجمعات الاستهلاكية المملوكة للدولة لتصريف ما يتم استيراده وإغراق السوق منه، الأمر الذي يهدد بتراجع السكر المحلي وتوقف مصانع السكر المحلية عن العمل، لافتاً في الوقت ذاته أن هذه الأزمة وضعت مصانع السكر في ورطة ولم تجعل أمامها أي حلول سوى أن تقوم بتنفيذ قرار رئيس الوزراء باستلام محصول العام الجاري من المزاعين مقابل سداد جزء فقط من ثمنه، لأن المصانع ليس لديها رصيد نقدى بسبب بوار تجارتها نتيجة لتصرفات وزير التموين انتظاراً لتنفيذ وعد الدولة باستلام إنتاج السكر الراكد فى المخازن وسداد ثمنه للمصانع وبالتالى توفر السيولة اللازمة لسداد مستحقات الفلاحين لمحصولى القصب والبنجر. وأوضح نور الدين أن تصريحات وزير التموين التي أدلها بها منذ بضع ساعات قلائل بأن أزمة ركود السكر العالمي هي سبب ركود السكر المصري وتكدسه في الأسواق، تكشف وتؤكد للجميع أنه كاذب ومخادع، خاصة وأن مصردولة تستورد السكر أي أن الركود سيكون في صالح مصر لتخفيض أسعار السكر المستورد وليس لإغراق السوق به على حساب المصانع الوطنية واستثمارات الدولة. وتابع نور الدين حديثه ل النهار قائلاً: أنا حذرت من هذا الوزير منذ عام وقلت إن مستشار التجار لا يمكن أن يكون وزير الفقراء، لافتاً في الوقت ذاته إلى أنه عندما تتعارض المصالح بين التجار وبين الفقراء والمستهلكين فدور الدولة هو الوقوف مع الفقراء والمستهلك وليس مع التجار. في حين أكد رشدى أبو الوفا، نائب رئيس جمعية منتجى قصب السكر بالصعيد، أن تأخر شركة السكر للصناعات التكاملية عن سداد مستحقات مزارعي قصب السكر والبنجر يهدد بتراجع المساحات المزروعة من القصب بجانب توقف عدد من المصانع عن العمل وتشريد المئات من العاملين بهذه المصانع، لافتاً إلى أن تأخر صرف مستحقات المزارعين المالية تهددهم بالسجن خاصة وأن هذا الأمر أدى لتأخر المزارعين في سداد ديونهم لبنك التنمية والائتمان الزراعي. وطالب أبو الوفا، المهندس إبراهيم محلب بسرعة التدخل لسداد المستحقات المتأخرة لمزارعي القصب لحماية هذه الصناعة من الاختفاء. بينما أكد كمال القزاز، أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة، أن وزارة التموين هي السبب الرئيسي وراء تأخر شركة السكر للصناعات التكاملية عن سداد مستحقات مزارعي قصب السكر، إذ إن مستحقات شركة السكر للصناعات التكاملية لدى هيئة السلع التموينية تتجاوز ملياري جنيه وحتى الآن لم يتم صرفها الأمر الذي أدى لتأخر الشركة عن سداد مستحقات المزارعين. وأضاف القزاز أن تأخر مصانع السكر في سداد مستحقات المزارعين -حتى وإن كانت وزارة التموين السبب يزيد بالضرورة من قيمة فوائد ديون المزارعين لبنوك التنمية والائتمان الزراعي وهذا الأمر يضع المزارعين في ورطة ويهدد بحبسهم في حال التأخر عن سداد التزاماتهم المالية للبنوك. وأوضح القزاز أن مزارعى القصب هم دائما ضحية الدولة، إذ دائماً يتحملون خسائر فادحة سواء في تأخر المصانع عن استلام محصول القصب منهم أو في تأخر سداد مستحقاتهم المالية فضلاً عن أنهم دائماً يتحملون تكاليف نقل المحصول للمصانع، كل هذا في ظل ارتفاع تكاليف زراعة المحصول بعد ارتفاع أسعار السولار والأسمدة، ورغم كل هذه الإشكاليات التي يواجهها مزارعو قصب السكر إلا أن دور وزير الزراعة في حل إشكالياتهم مازال مختفا تماماً. وأضاف أن عدم صرف المستحقات المالية يهدد بوقف زراعة قصب السكر وبالأخص في محافظات الصعيد في ظل ارتفاع تكاليف العامل الزراعى فضلاً عن أن سعر الطن الحالى البالغ 400 جنيه يعد غير مجد على الإطلاق، مطالباً في الوقت ذاته حكومة المهندس إبراهيم محلب بضرورة حل مشاكل مزارعى قصب السكر وسداد مستحقاتهم المتأخرة، خاصة وأن هذا الأمر سيساهم في زيادة الإنتاجية ومن ثم سد العجز الموجود بين الإنتاج والاستهلاك.