أثارت سيطرة الحوثيين على الكثير من المواقع الإستراتيجية فى الخليج العربى بالإضافة إلى تحرشهم بمضيق باب المندب وانتهاكهم الحدود السعودية، الكثير من القلق لدى الدول العربية بالاضافة إلى ما حدث مؤخرا من استيلائهم على السلطة فى اليمن, مما اضطر الكتلة العربية لتشكيل قوى عربية مشتركة لإعادة الشرعية الرئاسية التى تم التوافق عليها فى اليمن بالإضافة إلى ما وجدته الدول العربية من ضرورة تأمين الحدود الدولية ومجرى البحر الأحمر الملاحى عند مضيق باب المندب كل هذه المستحدثات أثارت الكثير من التساؤلات والقلق لدى الجميع . ما بين متخوف ومتحمس ورافض وآخر داعم.. فكان لابد من محاولة معرفة آليات التدخل العربى والاشتراك المصرى فى التحالف وآلياته الدستورية وحدوده ومدى أهمية التدخل وخطورة الأوضاع الراهنة فى اليمن على الأمن القومى العربى بالإضافة إلى محاولة معرفة ردود الفعل الدولية حول التدخل العسكرى فى اليمن. فى البداية أوضح الدكتور فؤاد عبدالنبى أستاذ القانون الدستورى بعدد من الجامعات المصرية أهمية مضيق باب المندب بالنسبة للمصريين حيث إنه يعد بمثابة خط أحمر، فاتجاه الحوثيين لغلق مضيق باب المندب لتهديد المملكة العربية السعودية وإيقاف حركة تنمية قناة السويس والتأثير على الملاحة فيها يعتبر تهديدا مباشرا للأمن القومى المصرى. وأوضح عبدالنبى أن مشاركة مصر فى العمليات العسكرية ضد الحوثيين فى اليمن تتماشى مع صحيح نصوص الدستور حيث إن المادة 139 والتى تنص على أنه يجب على رئيس الجمهورية أن يسهر على رعاية مصالح الشعب المصرى والتدخل العسكرى فى اليمن يعتبر من ضمن رعاية مصالح الشعب المصرى حيث ان أمن البحر الأحمر وتأمين قناة السويس يعتبر حماية للأمن القومى كما أن تهديد الحوثيين يعد تهديدا للدولة المصرية وبالتالى على الحكومة المصرية طبقا لنصوص الدستور أن تتخذ كافة الإجراءات عند إعلان حالة الحرب بعد موافقة المجلس العسكرى ومجلس الدفاع الوطنى . وعن الإجراءات المتطلبة فى حال غيبة مجلس النواب أوضح عبدالنبى أن فى حال عدم وجود مجلس النواب فإنه يتعين أخذ موافقة مجلس الوزراء وبالتالى يكون النظام الحالى قد أعمل صحيح نص المادة 153 من الدستور والتى تنص على أن رئيس الجمهورية هو القائد الأعلى للقوات المسلحة، ولا يعلن الحرب ولا يرسل القوات المسلحة فى مهمة قتالية إلى خارج حدود الدولة، إلا بعد أخذ رأى مجلس الدفاع الوطني وموافقة مجلس النواب بأغلبية ثلثي الأعضاء. فإذا كان مجلس النواب غير قائم، يجب أخذ رأى المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وموافقة كل من مجلس الوزراء ومجلس الدفاع الوطني. بالإضافة إلى وجود المادة 86 من الدستور والتى تتكلم على أن الحفاظ على الأمن القومى واجب على الكافة، وبالتالى يكون موقف الرئيس عبدالفتاح السيسى والحكومة المصرية قد أصاب صحيح القانون والدستور بالإضافة إلى أن النظام السياسى فى مصر يقوم على فكرة تلازم المسئولية على السلطة وبالتالى كان يجب على رئيس الجمهورية أن يقوم بواجبات منصبه ومقتضاياتها وألا يسأل عن إخلاله بالدستور المصرى . وفى نفس السياق القانونى أوضح محمد سواح المحامى أن القانون الدستورى قام بتقنين ما يسمى بحالة الضرورة حيث إن القانون أقر أنه فى حال ما إذا كانت حالة تستدعى التدخل العاجل خشية وقوع خطر يهدد كيان الدولة فإنه فى هذه الحالة تكون سلامة الشعب وأمنه فوق القانون وأضاف سواح بأن التهديد بغلق باب المندب يمثل تهديدا يجعل حالة الضرورة متوافرة فى حالة رغبة الحكومة المصرية فى اتخاذ أى تدابير عاجلة، وشرح السواح بأن حالة الضرورة هذه لها أصل فى الشريعة الإسلامية حيث أقرها الله عز وجل فى سورة الأنعام فى الآية 119 ووردت فى حديث سيدنا محمد رفع عن أمتى الخطأ والنسيان وما اضطروا إليه، لذا فإن اتخاذ الحكومة المصرية أى إجراء بشأن التدخل العسكرى فى اليمن استنادا لتوافر الضرورة له سند فى الدستور والشريعة. . ورد سواح من الناحية القانونية على الرأى القائل بضرورة عمل استفتاء شعبى قبل الدخول فى حرب فى اليمن على أن هذا الرأى ليس له سند فى الدستور حيث إن نص المادة واضح فى حالة رغبة رئيس الجمهورية فى إعلان الحرب حدد عددا من الإجراءات ليس من بينها الذهاب إلى الاستفتاء الشعبى، ولكن فى حال عمل هذا الاستفتاء فإنه سيكون ملزماً للحكومة نظرا لأن رغبة الشعب وإرادته تكون ملزمة وتعلوا أى نص قانونى من جانبه أعرب الدكتور إكرام بدرالدين أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة عن قلقه تجاه التطورات التى تحدث فى اليمن وخصوصا مع سيطرة الحوثيين على عدد من المناطق الهامة فى اليمن وخصوصا منطقة الجنوب والتى كان موجودا فيها الرئيس اليمنى هادى عبدربه. وأضاف إكرام أن تسارع الأحداث كان ينذر باندلاع حرب أهلية فى اليمن مما يعنى مزيدا من الفوضى والتدخلات الدولية، مؤكدا أن المشكلة ليست فى الحوثيين ولكن فيمن يدعمهم وبالتالى يعد هذا تهديدا لأمن الخليج والبحر الأحمر حيث إن هذه التطورات حدثت على مقربة من الحدود السعودية الأمر الذى يعد تهديدا للأمن القومى العربى. وأكد إكرام أن الدروس المستفادة من الدروس السابقة التى مرت بها المنطقة من قبل هى أنه إذا لم يتدخل العرب فإن هذا سيتيح فرصة أكبر للتدخل الأجنبى وأكبر دليل على ذلك ما حدث فى ليبيا والعراق، الأمر الذى يمكننا من خلاله أن نفهم أن التدخل العربى فى هذا الإطار رغبة فى حماية الأمن العربى من التدخل الإيرانى حيث إن الأمر هنا لا يتعلق بالسنة والشيعة بل يتعلق بتدخلات سياسية لتحقيق أطماع سياسية. وعن الموقف المصرى تجاه الأزمة أوضح بدرالدين أن الموقف المصرى يتفق مع السياسة المتبعة حاليا عن طريق الاهتمام بالبؤر المختلفة بالإضافة إلى سياسة التوجه نحو الشرق فضلا عن ارتباط الأمن القومى المصرى بالأمن القومى العربى والخليجى. وعن الهدف الذى تبتغيه إيران من وراء دعمها للحوثيين أوضح الدكتور بدرالدين أن إيران من الممكن أن تأخذ اليمن ورقة فى صالحها للضغط فى الملف النووى بالإضافة إلى تحقيق أكبر المكاسب الممكنة من جراء فرض سيطرتها فى اليمن. وعلى الجانب الآخر أوضح الدكتور أحمد رفعت أستاذ القانون الدولى أنه توجد عدد من الوقائع التى يجب الاستناد إليها فالحوثيون قاموا بعمل مناورات عسكرية على الحدود السعودية وأصابوا أهدافا مدنية داخل المملكة أربع مرات، الأمر الذى يجعلنا أمام اعتداء على دولة عربية مما يحيلنا إلى اتفاقية الدفاع العربى المشترك والتى تنص فى المادة الثانية منها على أن أى اعتداء مسلح يقع تجاه أى دولة من الدول الموقعة على الاتفاقية يعتبر اعتداء على الدول جميعا ولذلك فهى عملا باتفاقية الدفاع العربى المشترك وإعمالا لحق الدفاع الشرعى عن النفس الواردة فى اتفاقية 1950 فى إطار الجامعة العربية، تستطيع المملكة العربية أن تطلب من الدول العربية الأخرى أن تقوم بالدفاع عنها بشكل جماعى وهذا ما حدث عام 1992 أثناء الحرب على الكويت حيث طلبت الكويت الإعانة من الدول العربية فى إطار هذه الاتفاقية مما ترتب عليه إرسال الدول العربية قوات عسكرية إلى أن انتهى الأمر بتحرير الكويت من العدوان العراقى. أما إذا كان الأمر يتعلق بمجرد الحرب الأهلية داخل اليمن فإن مجلس جامعة الدول العربية سيكون من حقه هنا أن يتدخل لضبط الأمن فى هذه الدول وهو ما حدث عام 1976 فى الحرب الأهلية فى لبنان حيث تدخلت القوات العربية بناء على طلب من الرئيس اللبنانى آنذاك. وأضاف رفعت أن الدول العربية قامت باتخاذ العديد من القرارات لحظر إطلاق النار مثل قرار 85 لسنة 76 وبالمثل فتستطيع الدول العربية فى إطار قواعد القانون الدولى أن تضغط لتمرير قرارات مشابهة له لتمكين السلطة الشرعية فى البلاد لاستعادة سلطاتها، وأضاف أنه يوجد أيضا مجلس السلم والأمن العربى والذى من خلاله يمكن المحافظة على الأمن القومى العربى من أى اعتداء خارجى فنحن لدينا آليات تسمح بذلك. وفى نفس السياق أوضح الدكتور محمد شوقى أستاذ العلوم السياسية أن الأحداث فى اليمن لا تؤثر على مصر فحسب بل على المنطقة كلها حيث إن أمن مضيق باب المندب له الأهمية الكبرى من الناحية الإستراتيجية والاقتصادية لخطورة تأثر الملاحة فى باب المندب، كما ان التصاعد الكبير فى النفوذ الإيرانى يهدد الأمن القومى العربى بشكل كبير. وعن التحالف المصرى الخليجى أوضح الدكتور شوقى أن دول الخليج وقفت بجانب مصر كثيرا وبالتالى فقد حان وقت رد الجميل، مستبعدا في الوقت ذاته إمكانية تدخل إيران عسكريا، لأن لديها جبهات مفتوحة في العراق وسوريا وهذه دول قريبة منها بالإضافة إلى صعوبة ذهابها إلى اليمن، فالسلوك الإيرانى لا يمكن أن يزيد على مجرد الكلام. وشدد شوقى على أن اليمنيين يجب عليهم أن يجلسوا سويا لإيجاد مخارج لحل الأزمة مع ضرورة الوضع فى الاعتبار أن الدول المحيطة لن تقبل هذا الانقلاب على الشرعية. فيما أوضح اللواء أشرف أمين الخبير الأمنى أن هناك بعدا إستراتيجيا للضربات العربية تجاه الحوثييين حيث إن هناك خطورة على مصالح الدول العربية فى حال سيطرة دول بعينها على بعض الأماكن الهامة مثل مضيق باب المندب، فمن الناحية الأمنية لا بد أن تشعر الدول العربية أن لها ذراعا طويلة يمكن أن تمتد على كل من يهدد مصالحها، أما عن الرأى المتخوف من إمكانية تأثير اشتراك مصر فى الحرب فى اليمن على الوضع الأمنى داخل مصر أوضح أمين أن الإستراتيجيات العسكرية تختلف عن الاقتصاد فالحروب التقليدية عفا عليها الزمن فالضربات الآن تعتمد على التركيز والسرعة كما أن القوات التى تستخدم لا تمثل أكثر من 10% من القوى العسكرية للدولة الأمر الذى يدحض هذا الرأي .. وفى نفس السياق العسكرى قال اللواء عماد أبوالفتوح مساعد وزير الداخلية الأسبق إنه يكون هناك نوع من أنواع إجهاض التحركات التى تهدد الأمن القومى العربى تحت قيادة عربية مشتركة تحت مظلة اتفاقية الدفاع العربى المشترك والتى لم يتم تفعيلها منذ 65 سنة . ونوه أبو الفتوح إلى أن التدخل فى اليمن جاء متأخرا نظرا لأن الرؤية الإستراتيجية لما يحدث على الأراضى اليمنية لم تكن واضحة .. وعلى الجانب السياسى أوضح محمد أبوحامد البرلماني السابق، أن التحديات الأمنية أصبحت تهدد الأمن القومى العربى بشكل كبير كما أنه بعد 30/6 أصبح هناك توجه مصرى عربى لمحاربة الإرهاب، كما أن العمل بشكل فردى لن يكون كافيا حيث إنه لن تستطيع أى دولة بمفردها أن تواجه كل هذه المخاطر والتحديات خاصة فى إطار رغبة إيران فى إشعال الحروب الطائفية فى العراق وسوريا واليمن لذلك كان اشتراك الدول العربية فى قوى عربية متحدة كمقدمة لقوى الدفاع العربى المشترك، مؤكدا أن كل القوى الوطنية ستقوم بدعم الخطوة التى قامت مصر باتخاذها، أما الإخوان وحلفاؤهم فسيقومون بالتقليل من أى إجراء تقوم به الدول المصرية. وأوضح أبو حامد أنه يجب أن تكون مشاركة مصر فى هذا التحالف مشاركة حذرة نظرا لأن التحديات التى تواجهها مصر فى مواجهة الإرهاب فى الداخل أكبر من أى دولة أخرى، مشيرا إلى أن القيادة السياسية الحالية ليست قيادة ساذجة فلو كانت هناك أى قيادة أخرى لكان من المستحيل عليها أن تقوم بإدارة الأمور مثل الرئيس السيسى فالقيادة السياسية الحالية تعى جيدا أين تضع قدمها وما هى خطوتها المقبلة، كما أن الجيش المصرى بعظمته وتاريخه لا يمكن أن يدخل حربا من باب المجاملة فالجيش المصرى يدافع عن الأمن القومى بعمقه الاستراتيجى، فالعلاقات بين الدول مبنية على المصالح المشتركة فمصر تدافع عن أمنها القومى قبل أى شيء وليس هناك ما يمنع أن تتلاقى هذه الرغبة برغبة دول أخرى فى تحقيق مصالح مشتركة من خلال نفس الفعل وهذا ما يسمى بالمساحات المشتركة التى تلعب عليها دول العالم أجمع، كما كانت دول الخليج أيضا وهى تقوم بدعم مصر بعد ثورة يونيو بالدفاع عن أمنها القومى ضد التنظيمات المتطرفة، وفى الأخير أوضح أبوحامد بأن هناك التفافا دوليا حول الخطوات التى تقوم الدول العربية باتخاذها فى اليمن. وفى نفس السياق اوضح الدكتور ياقوت السنوسى السياسي المصرى أنه لا أحد يسعى للحرب ولكنها أحيانا تكون هى الخيار الوحيد، كما أن التطورات السريعة التى حدثت فى اليمن بدعم من على عبدالله صالح والتهديد الإيرانى المباشر لمصالح الدول العربية فرض ضرورة أن تكون هناك ضربات استباقية لكل المعاقل التى تمثل خطورة لذلك فالخطوات التى يتم اتخاذها الآن من الضرورة بحيث لا يمكن أن يتم التراجع عنها. وعن البدائل السياسية المطروحة أوضح السنوسى أن القيادة السياسية تعى خطورة أن تتطور الأمور أكثر فأكثر لذلك فهناك سعى للوجود على مائدة مفاوضات يتم من خلالها طرح عدد من الحلول السياسية والدبلوماسية، وعن التخوف من تكرار تجربة الجيش المصرى فى اليمن أوضح السنوسى بأن هناك هاجسا من تكرار تجربة اليمن فى عهد جمال عبدالناصر ولكن الوضع الآن مختلف عن ذى قبل فالخارجية المصرية تتحرك بشكل سريع لإعادة مصر لقلب الامة العربية بالإضافة إلى إختلاف الظروف والاسباب فمصر مضطرة الآن لدخول هذه الحرب حتى لا تظهر بمظهر الضعيف. وعلى الجانب الآخر رد عبدالعزيزالحسينى امين تنظيم حزب الكرامى على الرأى القائل بضرورة عمل استفتاء شعبى لأخذ رأى الناس من الناحية السياسية على أن هذا متوقف على نوع العمليات العسكرية التى ستقوم بها مصر فلو كانت العمليات التى ستقوم بها مصر فقط ضربات جوية او بحرية فإنه يكفى ان يكون هناك استطلاع رأى الناس أما لو كانت هناك النية لتطوير العمليات العسكرية أكثر من خلال الهجوم البرى أو إرسال أعداد كبيرة من الجيش المصرى فإنه يرى ضرورة أن يتم عمل استفتاء شعبى لاستطلاع رأى الناس فى الشارع المصرى .