تقرير : حسام إبراهيمفى مواجهة نذرالثورة المضادة يكتب المصريون ملحمةجديدة من ملاحم ثورتهم الشعبية ويكاد لسان حالهم يقول يد تبنى.. ويد تحمل شعلةالحرية فيما شرعت حكومة الثورة فى اتخاذ سلسلة من التدابير الرامية لاجهاضمخططات الثورة المضادة ومطاردة فلول النظام القمعى السابق وسط مؤشرات تدعوللتفاؤل بأن ثورة 25 يناير ستبقى ثورة يزهو بها النجم والأفق.وكان الدكتور عصام شرف رئيس الوزراء قد أطلق اشارات تحذير من نذر الثورةالمضادة التى تتستر وراء احتجاجات عشوائية وتعطيل الانتاج واصابة أوجه الحياةالطبيعية فى ارض الكنانة بحالة اقرب للشلل.ووسط حالة من الترقب للاعلان الدستورى الذى سيحدد مسيرة المرحلة الانتقاليةحتى اجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية وصياغة الدستور الجديد لمصر-فان اهميةاستئناف مسيرة العمل والبناء تبدو موضع اجماع وطنى بين المصريين الذين ادركوابوعيهم ان اعداء الثورة هم المستفيدون من وقف عجلة العمل ويهمهم استشراء الأزماتفى اوجه الحياة اليومية.ويؤكد محللون أن ثورة الجماهير سواء فى تونس أو مصر لم تكن بعيدة عن عاملالاقتصاد بقدر ما تلفت أيضا بقوة للعلاقة بين التنمية والعدالة والحرية وأنالقضية ليست مجرد أرقام صماء حول ارتفاع معدلات النمو وانما هى فى جوهرها سؤالكبير حول توزيع عائد التنمية ضمن صيغة العدالة والحرية التى تطالب بها الجماهيرالعربية.ففى غياب العدالة والحرية تتحول معدلات وأرقام النمو الاقتصادى وأحاديثالمعجزة الاقتصادية لأكذوبة وعهن منفوش فيما يلاحظ الدكتور جلال امين الكاتبواستاذ الاقتصاد أن قوى العولمة التى باتت أكثر جرأة وتوحشا فى العقدين الأخيرينتضافرت مع الميول الشخصية للممسكين بدفة حكم النظام السابق فى مصر لخلخلة أسسالدولة المصرية وأن الخاسر من هذه الحالة لم يكن سوى الجماهير العريضة التى تضمأغلب شرائح الطبقتين الدنيا والوسطى.واذا كانت مصر شأنها فى ذلك شأن أغلب دول العالم قد اختارت نظام الاقتصاد الحرفانه من الأهمية بمكان ملاحظة الفوارق الجوهرية بين الرأسمالية الحميدة والمنتجةوبين الرأسمالية المتوحشة والطفيلية فيما يرى جلال أمين أنه فى العقدين الأخيرينتضافرت عوامل قوية لانتشار الفساد لتفضى الى التزاوج بين المال والحكم وتكبدتشرائح الطبقتين الدنيا والوسطى خسائر فادحة فى ظل هذا الوضع.ويقول محمد أبو النصر العامل باحدى شركات القطاع العام التى افلتت من الخصخصةالعشوائية أن هناك ضرورة لاستئناف العمل بأقصى طاقة لكنه يلفت بشدة لأهميةمراجعة سياسات الأجور لتكون أكثر عدالة.ومنذ البداية فرضت قضية العدالة الغائبة نفسها بالصفعة التى وجهتها شرطية لوجهالشاب التونسى محمد البوعزيزى فرد عليها باضرام النار فى نفسه ليحرر جسده من سجنالحاجة والمذلة وخلقت نار الاحتجاج زمنا عربيا جديدا لم يكن بمقدور سدنةالاستبداد رؤيته فى البداية وتوقع نتائجه الحالية والبعيدة المدى .وفى كتاب الاقتصاد السياسى لمصر-تكشف المؤلفة نادية رمسيس استاذة الاقتصادالسياسى بالجامعة الأمريكية فى القاهرة عن الآثار الخطيرة لتبنى توجهاتالرأسمالية المتوحشة التى تبناها فى مصر من اطلقوا على انفسهم اسم الليبراليينالجدد وتوسيع نطاق الفقر وتآكل الطبقة الوسطى مقابل استفحال قوة رجال الأعمالالذين قفزوا لمناصب سياسية وشغلوا مراكز وزارية كما هيمنوا على مجلس الشعب.ومع استمرار رجال العدالة فى التحقيقات الرامية لمحاسبة المسؤولين عن البنيةالسلطوية الاستبدادية التى سعت لتسويق جبروتها وجورها وفسادها كمعجزةتنموية-تتوالى بعض المؤشرات الايجابية عن اتجاهات الاقتصاد المصرى ! .وخلافا للتصورات المتشائمة-لم تزد نسبة الهبوط فى أول أيام استئناف البورصةالمصرية لأنشطتها وهو يوم الأربعاء الماضى عن 9 فى المائة فيما اغلق مؤشر البورصةأمس الأول الخميس على ارتفاع بلغت نسبته 7،3 فى المائة وذلك بفضل تمسك المصريينبأسهمهم وعدم خروجهم من السوق .وكانت المفاجأة السارة أن البورصة المصرية حسب تصريح لرئيسها محمد عبد السلامتلقت نحو 600 طلب من مستثمرين جدد.وكان الدكتور سمير رضوان وزير المالية قد اعتبر أن مصر الآن فى وضع افضلللاستثمار داعيا فى كلمة بالمؤتمر الرابع لسوق المال المصرى الذى عقد فى لندن تحتعنوان :الفرص الاستثمارية فى مصر التغيير المستثمرين العرب والأجانب للمجىءلمصر.وفيما قفزت أسعار شهادات الايداع الدولية للشركات المصرية المدرجة فى بورصةلندن خلال تعاملات أمس الجمعة فى بادرة تحسن تلوح فى الأفق-نوه معلقون فى الصحفووسائل الاعلام المصرية بأن ثورة 25 يناير تفتح الأبواب بالضرورة للعمل الخلاقوالمبادرات الحرة وتشجع الجدارة وأصحاب الكفاءات فى ظل دولة القانون البريئة منالاستبداد والفساد والمحسوبية والاحتكار.ويولى رجل الشارع المصرى أهمية ملحوظة لمبدأ الشفافية فى خضم عملية صياغة مجتمعديمقراطى يعزز المواطنة والمساواة فى الحقوق والواجبات ويؤكد أهمية تداول السلطةويشجع التنوع فى اطار الوحدة الجامعة لكل المصريين واحترام العقد الاجتماعىوالقوانين المعبرة عن هذا العقد.وبكلمات حاسمة -يرى محمود حسان المهندس باحدى شركات قطاع التشييد أنه منالأهمية بمكان فى عصر مابعد ثورة 25 يناير عدم السماح بتكرار ظاهرة زواج السلطةوالثروة واحتكارهما باعتبارها مفسدة كبرى تتعارض مع اسس الديمقراطية تماما كماأن السلطة المطلقة مفسدة مطلقة.أما المحاسب محسن أمين فيرى أن المصريين الآن فى مواجهة اختبار القدرة علىزيادة الانتاج معتبرا ان هذه المسألة تهم كل المخلصين لثورة 25 يناير ولابد وانتبرهن على ان الحرية تعنى اطلاق العنان للابداع المثمر.وواقع الحال أن توجهات السياسات الاقتصادية هى شأن عام فى الدول الديمقراطيةبل وتحتل اولوية متقدمة فى اغلب هذه الدول مثل الولاياتالمتحدة حيث يكف الشعبوالنخبة معا عن النقاش حول افضل السبل للخروج من تداعيات الأزمة الاقتصاديةالحادة والمستمرة منذ منتصف عام 2008 مع احترام اراء الخبراء المتخصصين فى قضاياالاقتصاد.وفى كتاب مابعد الصدمة..الاقتصاد القادم ومستقبل امريكا-يقول روبرت رايخ وهووزير العمل السابق فى ادارة الرئيس الأسبق بيل كلينتون أن امريكا تمر الآن بمرحلةفاصلة وخطيرة غير انه يؤكد على أن العودة لسياسات ماقبل الأزمة الاقتصادية لنتعنى سوى الفشل وهو ينادى باعادة توزيع الثروة من خلال ادوات ضريبية تأخذ منالأثرياء لصالح اصحاب الدخول المحدودة واعادة صياغة معادلة الاجور والانتاجلتصحيح مايعتبره عدم عدالة فى المشهد الاقتصادى الأمريكى وهنا مكمن الخلل وجوهرالاشكالية من وجهة نظره..بوضوح فان روبرت رايخ يقف فى خندق الذين يعتبرون الايمان الأعمى بحكمة السوقوتقليص الحضور الحكومى وهما خطيرا بقدر مايناصر الفكرة القائلة بأن التدخلالحكومى برهن من المنظور التاريخى على أهميته لاستعادة الانتعاش الاقتصادى فىالولاياتالمتحدة.ولأن الاقتصاد قضية رأى عام بالدرجة الأولى فى المجتمعات الديمقراطية فان كتابالهم شأنهم فى الصحافة الأمريكية مثل فريد زكريا ذهبوا الى انه على الرغم من كلعيوب الرأسمالية فهى لاتزال المحرك الاقتصادى الأكثر انتاجية الذى اخترعتهالبشرية .والرأسمالية كما تحدث عنها فريد زكريا تعنى النمو وعدم الاستقرار ايضا..وهاهويقول ان مانشهده الآن ليس ازمة رأسمالية بل أزمة مالية وديمقراطية وأزمة عولمةوفى النهاية أزمة اخلاق فسهولة الحصول على قروض مصرفية تؤدى الى الجشع وسوءالتقدير وفى النهاية الى الهلاك..لايمكن لأى نظام رأسمالى او اشتراكى او غيره انيعمل دون حس اخلاقى وقيم تديره..ومهما كانت الاصلاحات المعتمدة فهى لن تكون فعالةمن دون الفطرة السليمة والقرارات الحكيمة والمعايير الأخلاقية.وتبدو الثورة المضادة مرتبطة بالكذب والممارسات الشريرة على وجه العموم وكلمايجافى ناموس الحق..ومن الحق القول بأن الممارسات الجائرة لبعض الأنظمة فى حقشعوبها تتحول الى ديون ثقيلة لابد وان تسددها هذه الأنظمة عاجلا أو آجلا..انهاديون التاريخ التى لايمكن شطبها عندما تتحول الى جرائم فى حق الشعوب.وأكد المستشار محمد عبد العزيز الجندى وزير العدل على أن التفكير فى وضعالمرسوم الخاص بتجريم بعض حالات الاحتجاجات والاعتصامات جاء لحماية ثورة 25 ينايرمن الثورة المضادة موضحا فى مقابلة تلفزيونية أن بعض من أضير من سقوط النظامالسابق له مصلحة فى اثارة الفوضى فى البلاد ووقف الانتاج وتعطيل العمل.غير أن المستشار الجندى استدرك مشددا على شرعية المظاهرات والتجمهر السلمىوحرية التعبير عن الرأى شريطة أن يكون التجمهر سلميا ولايترتب عليه الفوضى وايقافالعمل فى المصالح الحكومية ووسائل الخدمات والانتاج وهو أمر يلحق اضرارا بالثورةوبمصر.وكانت بعض الأصوات والمنابر قد أبدت مخاوفها من أن ينطوى المرسوم الخاص بتجريمالاحتجاجات والاعتصامات على منع المظاهرات والتجمهر السلمى فيما شهد ميدانالتحرير أمس الجمعة مظاهرة شارك فيها نحو خمسة الاف شخص للتحذير من مخاطرالثورة المضادة مشددين على اهمية التكاتف فى مواجهة القوى التى تسعى للنيل مناستقرار مصر وزرع الفتن.واذا كانت الثورة المضادة-كما تقول أدبيات الثورات- أكبر عدو للمجتمع المفتوحبقيمه الديمقراطية فان السؤال الآن :هل تنجح الجماهير التى قدمت الشهداء واسقطتالنظام السابق فى اقامة نظام حكم جديد يعبر عنها ويلبى أشواقها النبيلة للعدالةوالحرية؟!.إنها الجماهير التى بدأت تجيب عن هذا السؤال باستئناف عجلة العمل والبناءولسان حالها يقول :يد تبنى..ويد تحمل شعلة الحرية..وهكذا تعرب المهندسة الشابةايمان حماد عن أملها فى أن تكون مصر الثورة قوة اقتصادية كبرى فى المشهد العالمىمؤكدة على اهمية الاعلاء من قيمة الجدارة فى ظل علاقات عمل عادلة تنسحب علىالأجور بقدر ماتشجع قيمة الاخلاص والتنافس الحميد لزيادة الانتاج .فى ربيع الحرية تثير اخلاق الثورة الشعبية المصرية اعجاب الدنيا كلها وليستاشارة الرئيس الأمريكى باراك اوباما لشباب بلاده بأن يتعلموا من الشباب المصرىالذين قاموا بتنظيف ميدان التحرير بعد نجاح الثورة ببعيدة.حاضر أنت ياوطن فى كل اللغات..حاضر ياوطن فى عطر الياسمين وشمسك الذهب ورائحةالعنبر والمسك وشفاه الضارعين..حاضر فى الوادى والنهر والجبال الشم وطعم البيوت..حاضر انت ياوطن فى لغات الناس واللهجات وفى كل كتاب..حاضرة يامصر فى النخيل وطورسينين والنوبة والنسمة والندى وسواقى الحنين..حاضر ياوطن فى أغانى المخلصين وصحبةالأحباب وعزم الشباب والمواويل التى تصل الأرض بأطراف السحاب.