فى الذكرى السنوية الأولى لثورة 25 يناير المجيدة- بدا المصريون متوافقين على تجديد العهد لشهدائهم الأبرار بالمضى قدما لتحقيق اهداف الثورة والحفاظ على تماسكهم المجتمعى وتلاحم الشعب والجيش والعبور الآمن لما تبقى من المرحلة الانتقالية مؤكدين شعارهم الوطنى "يد تبنى.. ويد تحمل شعلة الحرية". واتفقت العديد من الصحف ووسائل الاعلام مع تعليقات رجل الشارع المصرى على أهمية المضى قدما على طريق بناء الدولة الديمقراطية وهى دولة الحرية والكرامة والعدالة ..واستعاد المصريون احد شعارات ثورتهم السلمية النبيلة:"ارفع رأسك فوق.. أنت مصرى".
وكان المشير محمد حسين طنطاوى رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة قد اعلن فى كلمة للشعب المصرى عن الغاء حالة الطوارىء اعتبارا من اليوم "الأربعاء" الا فى مواجهة جرائم البلطجة منوها بأن ثورة الخامس والعشرين من يناير أسست لبداية عهد جديد لشعب عظيم اراد وضحى من اجل حياة كريمة ينعم فيها بالحرية والعيش الكريم والعدالة الاجتماعية كما ان ذكرى هذه الثورة ستظل عيدا للتلاحم بين الشعب وقواته المسلحة التى وقفت الى جانبه وانحازت اليه تحمى ثورته وتساند ثواره.
وقال المشير طنطاوى:"فى هذا اليوم نذكر بكل الفخر والاجلال ارواح شهداء ثورة يناير" موجها تحية اجلال واكبار لشهدائنا الأبرار ومصابى الثورة الذين ضحوا بأرواحهم واجسادهم الطاهرة فى سبيل يوم ترتفع فيه رايات الوطن تخفق بالعزة والشرف والاباء.
وفى مواجهة فلول "الثورة المضادة" التى تتستر وراء الاحتجاجات العشوائية وتعطيل الانتاج واصابة اوجه الحياة الطبيعية فى ارض الكنانة بحالة اقرب للشلل-..وجه نشطاء من الشباب الثورى نداءات عبر مواقع التواصل الاجتماعى اكدوا فيها اهمية تفادى التظاهر امام اقسام الشرطة ونقاط الشرطة العسكرية والمحاكم والبنوك والمنشآت الحيوية باعتبارها ملكية عامة للشعب المصرى وحتى لايستغل اعداء الوطن وعناصر البلطجة مثل هذه المظاهرات فى اعمال وممارسات تخريبية واشاعة الفوضى. وقال المشير حسين طنطاوى:" نحتفل بانتخاب اول مجلس شعب بارادة مصرية حرة عبرت عن توجه شعب مصر العظيم وتطلعاته الى الحياة الأفضل من خلال انتخابات نزيهة هى ثمرة من ثمار تلك الثورة" معيدا للأذهان الظروف الصعبة التى ادت لقيام الشعب بثورته وتأييد القوات المسلحة لهذه الثورة حتى تصبح مصر دولة ديمقراطية .
ويقول الكاتب والمعلق البارز فهمى هويدى ان "انعقاد مجلس حقيقى للشعب حدث كبير لاريب ..وأضع اكثر من خط تحت كلمة حقيقى لأننا منذ منتصف القرن الماضى لم نعرف سوى مجالس مزورة وانتخابات مغشوشة ونوابا اغلبيتهم الساحقة كانت تمثل الحكومة والأمن بأكثر مما تمثل الشعب" موضحا ان الانتخابات الحرة التى اجريت بعد ثورة يناير فضحت فحش التزوير فى الماضى.
ووسط حالة من الترقب للخطوات التالية على طريق استكمال العملية الديمقراطية من انتخابات رئاسية وصياغة الدستور والاستفتاء عليه بعد ان اختار الشعب ممثليه فى مجلسه -فان اهمية استئناف مسيرة العمل والبناء تبدو موضع اجماع وطنى بين المصريين الذين ادركوا بوعيهم ان اعداء الثورة هم المستفيدون من وقف عجلة العمل ويهمهم استشراء الأزمات فى اوجه الحياة اليومية. ومن السهولة بمكان ملاحظة ان العديد من تعليقات رجل الشارع المصرى تدور حول اهمية انعاش الاقتصاد جنبا الى جنب مع تعزيز الأمن مع ترسيخ النزاهة والشفافية فى كل مؤسسات الدولة وأوجه العمل التنفيذى والحد من الفجوة بين ماهو كائن وماينبغى ان يكون.
ويشير ذلك ضمنا كما يقول الخبير الاقتصادى زياد بهاء الدين لأهمية الشروع فى حوار وطنى حول مفهوم العدالة الاجتماعية الذى ينشده المجتمع وسبل تحقيقها والبدائل والخيارات المتاحة وأثر كل منها على موازنة الدولة واولويات الانفاق والسياسة الضريبية حتى لايتحول الموضوع الى مزايدة مستمرة لاتقابلها موارد حقيقية وتنافس بين الأحزاب على الوعد بما لايمكن تحقيقه.
ولفت بهاء الدين الى انه لعدة اشهر كان البعض من الذين تولوا المسؤولية يحجمون عن مصارحة الناس بخطورة الوضع الاقتصادى خشية ان يجلب ذلك عليهم السخط والاتهام بالتشكيك فى الثورة ومن ثم صار الحديث عن سوء الوضع الاقتصادى واهمية العمل على اعادة عجلة الانتاج للدوران حديثا محفوفا بالمخاطر لأنه يعرض من ينطق به لهجوم كاسح حول احباط الجماهير والسعى لوقف تحقيق الثورة لانجازاتها.
وفى المقابل فانه لايجوز ايضا استغلال الوضع الاقتصادى السىء للحد من الأنشطة السياسية المشروعة كما يرى زياد بهاء الدين ..موضحا ان هناك ضرورة للاتفاق على خارطة طريق للتعامل مع الوضع الاقتصادى بواقعية وبشكل يحقق الصالح العام لا المكاسب السياسية الضيقة.
ويؤكد محللون ان ثورة 25 يناير لم تكن بعيدة عن عامل الاقتصاد بقدر ما تلفت ايضا بقوة للعلاقة بين التنمية والعدالة والحرية وان القضية ليست مجرد أرقام صماء حول ارتفاع معدلات النمو وانما هى فى جوهرها سؤال كبير حول توزيع عائد التنمية ضمن صيغة العدالة والحرية التى تطالب بها الجماهير. ففى غياب العدالة والحرية تتحول معدلات وأرقام النمو الاقتصادى وأحاديث المعجزة الاقتصادية لأكذوبة وعهن منفوش فيما كانت قوى العولمة التى باتت أكثر جرأة وتوحشا فى العقدين الأخيرين قد تضافرت مع الميول الشخصية للممسكين بدفة حكم النظام السابق فى مصر لخلخلة أسس الدولة المصرية وإفقار الجماهير العريضة التى تضم اغلب شرائح الطبقتين الدنيا والوسطى. واذا كانت مصر شأنها فى ذلك شأن أغلب دول العالم قد اختارت نظام الاقتصاد الحر فانه من الأهمية بمكان ملاحظة الفوارق الجوهرية بين الرأسمالية الحميدة والمنتجة وبين الرأسمالية المتوحشة والطفيلية فيما تضافرت فى العقدين الأخيرين عوامل قوية لانتشار الفساد لتفضى الى التزاوج بين المال والحكم وتكبدت شرائح الطبقتين الدنيا والوسطى خسائر فادحة فى ظل هذا الوضع. ويقول منصور ابو العزم العامل باحدى شركات القطاع العام التى افلتت من الخصخصة العشوائية ان هناك ضرورة لاستئناف العمل بأقصى طاقة لكنه يلفت بشدة لأهمية مراجعة سياسات الأجور لتكون اكثر عدالة. ويولى رجل الشارع المصرى اهمية ملحوظة لمبدأ الشفافية فى خضم عملية صياغة مجتمع ديمقراطى يعزز المواطنة والمساواة فى الحقوق والواجبات ويؤكد اهمية تداول السلطة ويشجع التنوع فى اطار الوحدة الجامعة لكل المصريين واحترام العقد الاجتماعى والقوانين المعبرة عن هذا العقد. وبكلمات حاسمة -يرى هشام حسان المهندس باحدى شركات قطاع التشييد انه من الأهمية بمكان فى عصر مابعد ثورة 25 يناير عدم السماح بتكرار ظاهرة "زواج السلطة والثروة واحتكارهما" باعتبارها مفسدة كبرى تتعارض مع اسس الديمقراطية تماما كما ان السلطة المطلقة مفسدة مطلقة. اما المحاسب محمود رمضان فيرى ان المصريين الآن فى مواجهة اختبار القدرة على زيادة الانتاج معتبرا ان هذه المسألة تهم كل المخلصين لثورة 25 يناير التى نحتفل بذكراها الأولى ولابد وان تبرهن على ان الحرية تعنى اطلاق العنان للابداع المثمر. وواقع الحال ان توجهات السياسات الاقتصادية هى شأن عام فى الدول الديمقراطية بل وتحتل اولوية متقدمة فى اغلب هذه الدول مثل الولاياتالمتحدة حيث لا يكف الشعب والنخبة معا عن النقاش حول افضل السبل للخروج من تداعيات الأزمة الاقتصادية الحادة والمستمرة منذ منتصف عام 2008 مع احترام اراء الخبراء المتخصصين فى قضايا الاقتصاد.
وفى كتاب "مابعد الصدمة..الاقتصاد القادم ومستقبل امريكا" ، ينادى روبرت رايخ وزير العمل السابق فى ادارة الرئيس الأسبق بيل كلينتون باعادة توزيع الثروة من خلال ادوات ضريبية تأخذ من الأثرياء لصالح اصحاب الدخول المحدودة واعادة صياغة معادلة الاجور والانتاج لتصحيح مايعتبره عدم عدالة فى المشهد الاقتصادى الأمريكى وهنا مكمن الخلل وجوهر الاشكالية من وجهة نظره. ولأن الاقتصاد قضية رأى عام بالدرجة الأولى فى المجتمعات الديمقراطية، فان كتابا لهم شأنهم فى الصحافة الأمريكية مثل فريد زكريا ذهبوا الى ان مانشهده الآن ليس ازمة رأسمالية بل ازمة مالية وديمقراطية وازمة عولمة وفى النهاية أزمة اخلاق.. لايمكن لأى نظام رأسمالى او اشتراكى او غيره ان يعمل دون حس اخلاقى وقيم تديره.. ومهما كانت الاصلاحات المعتمدة فهى لن تكون فعالة من دون الفطرة السليمة والقرارات الحكيمة والمعايير الأخلاقية. وهكذا يحق الحق بأن الممارسات الجائرة لبعض الأنظمة فى حق شعوبها تتحول الى ديون ثقيلة لابد وان تسددها هذه الأنظمة عاجلا او اجلا..انها ديون التاريخ التى لايمكن شطبها عندما تتحول الى جرائم فى حق الشعوب. واذا كان احد أسئلة الاحتفال بالذكرى الأولى لثورة 25 يناير المجيدة:هل تنجح الجماهير التى قدمت الشهداء وأسقطت النظام السابق فى اقامة نظام حكم جديد يعبر عنها ويلبى اشواقها النبيلة للعدالة والحرية؟..فان الجماهير تكاد تجمع على اهمية استئناف عجلة العمل والبناء ولسان حالها يقول :"يد تبنى..ويد تحمل شعلة الحرية". نعم الثورة مشروع للفرح والتقدم والسعادة لكنها بحاجة لوعى ثورى ناضج يحافظ على متطلبات التوازن بين الثورة والدولة ولايقع فى شراك ومزايدات المراهقة الثورية او فخاخ الثورة المضادة ومكرها..انه الوعى الذى يحتكم لارادة شعب عريق ليس بمقدور احد التشكيك فى سلامة فطرته..نعم الشعب هو البطل وهو المعلم.