يعتبر عام 2010 هو العصر الذهبي للحياة السياسية بالنسبة للمرأة، حيث يشهد هذا العام، على غير العادة في الأعوام الفائتة، أعلى نسبة تمثيل للمرأة في البرلمان، وذلك بعد تفعيل نظام الكوتة الذي يمنح المرأة حصة ثابتة من مقاعد البرلمان مع احتفاظها بحقها في المنافسة على باقي المقاعد, وبموجب هذا النظام تم تخصيص 64 مقعدا للمرأة من إجمالي 508 مقاعد، مما ترتب عليه حصد المرشحات على نسبة 12% من إجمالي مقاعد ذلك البرلمان. أما في انتخابات برلمان الثورة لعام 2012، فقد تم إلغاء نظام الكوتة استنادا لحكم المحكمة الدستورية العليا في عام 1986 بعدم دستورية القانون رقم 21 لسنة 1979 لما ينطوي عليه من تمييز على أساس الجنس، ونتيجة لذلك لم تحصد المرأة في هذا البرلمان سوى 44 مقعدا فقط بنسبة لا تتجاوز ال 2 % . ويبدو أن النساء اللاتي وضعن حياتهن على المحك, مطالبات بتغيير النظام والحرية والعدالة للجميع, هن الآن في الطريق للاستبعاد من جديد من دائرة صنع القرار, فبعد أن خذلهن الجميع وخابت آمالهن في القوى السياسية التي وعدت بالوفاء بحقوقهن, لم يجد نساء مصر سوى بنات جنسهن لدعمهن في نضالهن ضد الثقافة الذكورية التي تقف أمام تحقيق العدالة والحرية والمساوة مع الرجل. حملة قادرت, واحدة من السبل التي لجأت إليها القوى النسائية لرفع نسبة تمثيل المرأة في البرلمان القادم، وضمان توفير فرص عادلة لتعيين المرأة في مراكز صنع القرار على جميع المستويات، من خلال شعار (صوت المرأة للمرأة). الحملة تنظمها جمعية الطريق للدعم القانوني، وتهدف إلى دعوة نساء مصر للتصويت للمرأة في الاستحقاق الثالث، وذلك لرفع نسبة تمثيلها في البرلمان, كما تهدف الحملة إلى بناء كوادر نسائية ومجتمعية قادرة على الدفاع عن دور المرأة المجتمعى، بالإضافة إلى بناء وعى مجتمعى واستقطاب متطوعين لعمل مبادرات محلية تساهم لتحقيق هذا الهدف. في البداية قالت هالة عبد القادر من مؤسسة قضايا المرأة، نحن كمؤسسة ليس لدينا أي نشاط سياسي يتعلق بالانتخابات, ولكن ندعم مشاركة المرأة في الانتخابات, ويجب توعية المجتمع بضرورة انتخابها, كما ندعو جميع نساء مصر بالنزول للتصويت وانتخاب من يرونه الأفضل في تمثيلهم. وأكدت هالة أنها ضد الحملات التي تدعو لتوجيه صوت المرأة للمرأة فقط, مؤكدة أن هذا يعتبر تقسيما نوعيا غير موضوعي, وأن المعيار الوحيد لاختيار المرشح يجب أن يكون الكفاءة والاختصاص, كما قالت إنها لن تعطي صوتها لمرشحة غير كفء, لأن المرشحة الكفء التي لديها برامج قوية ورؤية واضحة وحضور حقيقي, هي فقط من تستحق صوت الناخب, وأشارت إلى أن التحيز الأعمى سوف ياتي بنتائج عكسية، مستشهدة بالنماذج التي مثلت المرأة عام 2011 في البرلمان والتي اعتبرتهم نماذج غير جديرة وغير فعالة، حيث إنهم لم يقدموا أي فائدة للمجتمع. وفيما يتعلق بالعوامل التي يجب اتباعها لضمان تمثيل أكبر للمرأة في البرلمان أكدت هالة أن الدعم الحقيقي والمساندة الفعالة للمرأة سواء على الصعيد السياسي أو الاجتماعي هما الوسيلة الوحيدة لتحقيق ذلك, وأن الدعم السطحي غير الجاد وعدم التوعية اللذين تم مشاهدتهما في الفترة السابقة لن يعطيا نتائج إيجابية . وعلى الرغم من وجود أمل لدي هالة عبد القادر في تحسن وضع المرأة في الاستحقاق الأخير إلا أنها لا تتوقع تحسنا كبيرا في نسبة تمثيلها في البرلمان مؤكدة أن كل المؤشرات تشير إلى ذلك , كما أرجعت سبب هذا إلى تخاذل دور الدولة وتخليها عن المرأة وعدم الإيفاء بوعودها بدعم المرأة وتحسين وضعها في المجتمع. واعتبرت أن القسم الأكبر من المسئولية يقع على عاتق الأحزاب في دعم المرأة في الانتخابات, لأن المرشحات لن يحظين بالدعم المالي, والسياسي بدونهم, وأن وضع المرأة على قوائم الترشح للأحزاب وتخصيص حصة لهن ودعمهن عبر تنظيم لقاءات ومنتديات وحملات انتخابية حقيقية, بالإضافة إلى وضع برامج قوية وتقديمهن بشكل قوي سوف يعزز من فرص نجاح المرشحات في الانتخابات. وأشارت إلى أن هنالك العديد من التحديات التي تواجه المرشحات في الانتخابات، أبرزها عدم وجود مصادر للإنفاق على الدعاية الانتخابية والحملات الانتخابية, أما فيما يتعلق بالتحدي الاجتماعي فأكدت أن هناك محاولات مستمرة للنيل منها عبر تشويه سمعتها الشخصية والتشكيك في كفاءتها وقدراتها من قبل منافسيها الرجال في الانتخابات, كما تعتبر نظرة المجتمع لها على أنها عنصر أقل وكائن ضعيف وبالتالي غير كفء لدخول الانتخابات أحد المعوقات التي تواجهها بالإضافة أيضا إلى الأسرة التي تتمثل في الأب أو الزوج حيث يمنع الكثير من هؤلاء نسائهم من الانخراط في العمل السياسي أو الادلاء بأصواتهن في الانتخابات . ونوهت هالة إلى دور الإعلام في تغيير هذه النظرة الدونية للمرأة والقضاء على محاولات تهميشها، معتبرة أن الإعلام لا يتعامل مع قضايا المرأة بشكل جدي وأن التعامل مع تلك القضايا يتم بشكل فردي حسب أهواء وانتماءات ومعتقدات هؤلاء الأفرد, وحثت هالة الإعلام على أن يكون له دور أكبر لدعم ترشح النساء للانتخابات وذلك عبر إلقاء الضوء على أهميتها في المجتمع ومناصرتها, بالإضافة إلى تثقيف المجتمع بأن التصويت لهن وأقصد هنا الكفء منهن يمكن أن يعود بفائدة على الجميع. أما دكتورة عزة كامل الناشطة فى مجال حقوق المرأة فكان لها رأي مخالف حيث أكدت أنها مع إعطاء صوت المرأة للمرأة مؤكدة أن النساء يمثلن ما يقرب من خمسين بالمائة من الشعب المصري, لذلك يجب أن يحصلن على تمثيل سياسي ملائم يتناسب مع مكانتهن في المجتمع. وفيما يتعلق بالمعايير الخاصة بمشاركة الرجل والمرأة في الحياة العامة, أكدت عزة أن معيار الكفاءة لا يتم طرحه إلا عندما يتعلق الأمر بالمرأة , مؤكدة أن المجتمع السياسي يزعم بأنه مؤمن بدور المرأة في البرلمان إلا أنه في حقيقة الأمر ليس لديه ثقة كاملة في قدرتها. وعبرت عزة عن أملها في حصول المرأة على نسبة معقولة في البرلمان, إلا أنها أكدت أنه لن يكون لهن فرصة تذكر لانتخابهن من خلال النظام الفردي, الذي يحتاج لموارد مالية هائلة, وهذا أمر لن يستطيع توفيره المرشحات. ولحل هذا الأمر أكدت عزة كامل أن على الأحزاب السياسية وضع المرأة في مكانة متقدمة في قوائمها الانتخابية, بالإضافة إلى دعمها ماديا والاهتمام بتمثيلها تمثيلا مناسبا وحقيقيا في البرلمان. ودعت عزة كامل جميع النساء لإعطاء أصواتهن لبنات جنسهن, كما طالبت المؤسسات الإعلامية ومنظمات المجتمع المدني بعمل حملات توعوية وتثقيفة للمجتمع على جميع المستويات وذلك لدعم كل من المساواة بين الجنسين ومشاركة المرأة في الحياة السياسية, كما طالبت أيضا وسائل الإعلام بتقديم المرشحات وتعريفهن بالناخبين وعرض برامجهن الانتخابية بشكل موضوعي وحيادي. أما محمد أبو حامد عضو مجلس الشعب السابق فأكد أن المرأة كان لها دور إستراتيجي خلال السنوات الأربع الماضية, ولعل أبرز دليل على ذلك هو دورها في كل من ثورتي 25 يناير و30 يونية, وأن هذا الدور الفعال كان محل تقدير من الرئيس عبد الفتاح السيسي الذي لم يترك مناسبة إلا وخصها بالشكر وكذلك القوى السياسية والشعب الذي أدرك دوره الهام في جميع الأحداث الوطنية. ومن هذا المنطلق أكد حامد أن أي زيادة في نسبة تمثيلها في البرلمان سيكون له أثر إيجابي على الدولة ككل, داعيا جميع القوى السياسية والمدنية ووسائل الإعلام بالعمل لتحقيق هذا الهدف. وتعليقا على الحملات التي تدعو لإعطاء صوت المرأة للمرأة قال هذه دعوات غير منطقية, ومعيار الكفاءة والإيجابية والمواقف الواضحة للمرشح يجب أن يكون المعيار الوحيد لاختياره سواء كان رجلا او امرأة وأضاف عضو مجلس الشعب السابق أن العامل الهام لنجاح النساء في منافستهن على مقاعد البرلمان هو تقديم كوادر نسائية قوية وفعالة لا يستطيع أحد المزايدة عليها, مؤكدا أن التفاعل مع الشعب من خلال تقديم مساعدات حقيقية في الدوائر الانتخابية سيساهم بشكل كبير في زيادة الثقة في المرأة وقدرتها علي تولي هذه المهمة الصعبة. ودعا أبو حامد المرشحات للتركيز على الدوائر الحضارية وعواصم المحافظات، بسبب زيادة الوعي والثقافة في تلك المناطق, مؤكدا أن تلك الدوائر ستكون مثالا يحتذي به لاحقا للمناطق الأخرى التي بها مستوى وعي وثقافة أقل. وأضاف ليس من السهل أن تنجح المرأة في المحافظات غير الحضارية, لأن تلك المناطق بها مشاكل تعليمية ودينية أقل ما توصف به أنها كارثية, ولحلها نحتاج إلى تصحيح مفاهيم وتوعية كبيرة وعن دور الأحزاب في دعم ترشح المرأة للبرلمان, قال يمكن للأحزاب دعم المرأة من خلال عدم المنافسة في الدوائر التي تقدم مرشحات يستحققن الدعم وذلك تجنبا لتفتيت الأصوات, بالإضافة إلى اختيار نساء مؤثرات وتدريب السيدات اللاتي نزلن للانتخابات للمرة الأولى بالإضافة إلى تنظيم المؤتمرات والحملات الانتخابية التي من شأنها تعريف الناخب بالمرشحات. أما فيما يتعلق باتهام الأحزاب بعدم الجدية في دعم ترشح المرأة, أشار أبو حامد إلى أن جميع الأحزاب ذكورية, وأنه لا يوجد حزب به رئيسة سيدة باستثناء الحزب الاجتماعي الحر ورئيسته الدكتورة عصمت الميرغني وذلك لكونها المؤسسة للحزب, وأرجع عزوف الأحزاب عن وضع النساء في مناصب صنع القرار إلى عدم وجود كوادر نسائية قوية تحقق للحزب طموحاته, مؤكدا أن ذوي الكفاءة لا يمكن تجاهلهم, وأنهم يفرضون أنفسهم على الجميع. واعتبر أبو حامد أن التمويل لن يكون عائقا أمام المرشحات النساء فقط بل أمام الرجال أيضا, مؤكدا أن الآليات القديمة التي كان يستخدمها المرشحون لم تعد تؤثر في الناخبين والتي تتمثل في شراء الأصوات وتوزيع المواد الغذائية, وأن الناخب أصبح أكثر ذكاء, فهو يحصل على تلك الفائدة من المرشح ثم يختار في النهاية من يرى أنه الأفضل والأصلح. وطالب حامد القوى النسائية بعدم التسرع في الحصول على نتائج سريعة من الانتخابات المقبلة, مؤكدا أن نسبة تمثيل المرأة سترتفع بالتدريج, وأن تلك الجولة من الانتخابات تعتبر جولة تدريب واكتساب خبرة ستساعدهن في الجولات الانتخابية المقبلة. أما عن دور الإعلام, أكد حامد أن وسائل الإعلام ساهمت في خلق تعاطف شعبي مع المرأة خاصة خلال الفترة الماضية, داعيا تلك المؤسسات للاستمرار في دعم المرأة من خلال تقديمها في البرامج والصحف على أنها عنصرا أساسيا في العملية السياسية وكما يجب العمل على نشر فكرة أن جميع الأديان لا تمنع انخراط النساء في العمل السياسي واستشهد بذلك بالسيدة خديجة التي كان لها دور كبير في حياة النبي, وكذلك السيدة مريم التي لعبت دورا هاما في حياة عيسي المسيح, مؤكدا أن الجزء العاطفي الموجود بالمرأة هو الذي يجعلها تبذل مجهودا كبيرا لتحقيق أهدافها بطريقة لا يستطيعها الرجال.