فاز كتاب انهيار العولمة وإعادة اختراع العالم الذي أصدرته الدار المصرية اللبنانية في القاهرة و ترجمه عن الإنجليزية محمد الخولي لمؤلفه جون رالستون سول بجائزة خادم الشريفين عبد الله عبد العزيز آل سعود العالمية للترجمة، في دورتها الثالثة 1430 هجرية 2009 ميلادية ، في مجال العلوم الإنسانية من اللُّغات الأخرى إلى اللغة العربيةوتشير حيثيات الفوز طبقًا لمجلس أمناء الجائزة الذي يرأسه الأمير عبد العزيز بن عبد الله بن عبد العزيز رئيس المجلس وبحضور أعضائه إلى أن الكتاب يقدم قراءة نقدية وتاريخية حول مفهوم العولمة في العالم مركزًا على تتبع الأضرار التي يخلفها على النظام الاقتصادي العالمي، ومحذرًا من تجاوز الشركات الكبرى ومدرائها التنفيذيين للنظم والقوانين العالمية ، وقد أحسن المترجم اختيار الكتاب وترجمته إلى اللغة العربية؛ ولاسيما أن ما يمر به العالم اليوم من أزمة مالية خانقة تكاد بعض أسبابها تعود لما حذر منه الكتاب. وامتازت الترجمة في مجملها العام بدقة اللغة وسلامتها، ووضوح المعني، وسلاسة العبارات، وترابط الجمل ، وأسهمت إضافات المترجم الشارحة في الحواشي إلى زيادة ثرائه المعرفي لدى المتلقي ، وعلت قيمته باحترامه لحقوق الملكية الفكرية والحصول على إذن بالترجمة من ناشر العمل الأصلوكتاب انهيار العولمة وإعادة اختراع العالم الذي صمَّم غلافه الفنان حُسين جبيل وقدَّم له الدكتور حامد عَمّار، كان قد صدر في لغته الأصلية الإنجليزية عام 2005 ومؤلفه هو كاتب روائي ومؤرخ وفيلسوف كندي وكتابه من الكتب التي أثارت جدلاً في العالم وكانت من الأكثر مبيعًا عالميًّا.وينقسم هذا الكتاب إلى خمسة أجزاء كبرى تحيط بموضوع سقوط العولمة من كل جانب ، وعلى كل أصعدتها : الاقتصادية والسياسة والثقافية ، وكيف أثر مفكروها الكبار على العالم بإطلاق مقولاتهم عن العولمة واعتبارها الدين الجديد ، ونهاية التاريخ .. إلخ ماروّجوه من قيم وعقائد أضّرت بالكثير من دول العالم ، بل وأدت إلى انهيارها.ويعد هذا الكتاب من أهم الكتب والدّراسات التى سعت إلى تقييم النظام العولمى، في محاولة للتعُّرف على مصادر قوتّه ونقاط ضعفه ، وتحديد مبادئه ومنطلقاته، وفى تأثيراته الكونية على مجالات الاقتصاد والسياسة والأحوال الاجتماعية والإنسانية للبشر والعمران ، وربما هو الكتاب الوحيد الذي تنَّبأ بانهيار إمبراطورية التجارة الحرة.وأول خطوة رآها المؤلف كبداية لانهيار العولمة أنها تحوّلت منذ سبعينيات القرن الماضي، خصوصًا في شقهِّا الاقتصادي إلى اعتبارها حقيقة مطلقة ، بحيث غدت نوعًا من المعتقد الديني ، ورأى المناصرون لها أنها المحرك الوحيد لمسيرة التاريخ، ثم يقدِّم المؤلف ملخصًا لأهم الوعود والآمال التي أطلقتها عقيدة العولمة منذ أوائل السبعينيات ، من خلال مختلف القيادات السياسية والأكاديميين ، ورجال الأعمال ، والإعلاميين والمؤسسات الدولية ، وما أوصت به مئات المؤتمرات والندوات والبحوث ورجال الفكر من أمثال : فوكوياما ، وعالم الاجتماع أنتوني جيدنز ، وميلتون فريد مان ، وتوماس فريد مان وغيرهم من المروجين لفكر الرأسمالية ، وكان من أبرز مؤسسات العولمة التى خططت لبسط سيطرتها على الكون : صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، ومنظمة التجارة العالمية ، ومنتدى دافوس.على أن الخطوة الأخطر في هذا السياق هي ما لاحظه المؤلف جون والستون سول في الجزء الرابع بعنوان : السقوط من أنه لا العولمة ولا التجارة الحرة صادفت مشكلات لمجرد أن هناك من عارض أيَّا منهما أو التمس معالجة لهما بطريقة واقعية ، إنما صادفتهما المشكلات بسبب نهج اللامبالاة والرومانسية والتمسك بالأيديولوجية الذي اتبعه غلاه مؤيديهما ، لأنهم كما يرى المؤلف أرادوا تأكيد نظرية شمولية خالية من دور محورى سواء للقيادة على المستويات المحلية أو على مستوى المجتمع ككل.ثم جاء القرن الحادي والعشرون ليبدأ الناس في التركيز على العدد المتزايد من الديمقراطيات الفاشلة ومن ثم الدوّل الفاشلة حيث سيطر التدهور على سلطة الدولة القومية ، كما لاحظ بعض الساسة والمسئولين المدنيين أن نظريات العولمة المحددة التي تكفل نموًا صحيًا وتؤدى إلى توسيع نطاق الثروة لم تكن تؤدى هذا الدور من قريب أ وبعيد، والمثل الأبرز على هذا ما جسده التوسُّع في خصخصة شركات الدول ، وما أدى إليه ذلك من تحريك ترليونات من الدولارات. كما تبخرت النقود ، وأدت إلى التضخم ، فنحن أمام مبالغ طائلة من الأموال تدخل إلى السوق ، وبسرعة شديدة يبدو وكأنها تتبخر دون أن تترك أي أثر خاص ، وكأنها تحاكى قصة الصعود المبارك للسيدة العذراء إلى أطباق السماء،وربما تكون هي الاستجابة الطبيعية للاقتصاد إزاء هذا الانفصام الذي يفصل بين الأسواق الرأسمالية المتصاعدة حلزونيًّا والحركة الراسخة للنشاط الحقيقي.وبدأت الأسئلة تتوالى عن جدوى العولمة مثل : لماذا لم يسفر هذا التوسع المدهش والمتواصل في التجارة عن نمو اقتصادي واسع النطاق؟ أو عن انتشار الثروة وخفض البطالة ، وربما كما يقول المؤلف ، كان أسوأ ضروب الفشل هو الاعتراف بذلك الانفصام بين التجارة والنمو ، فالتجارة كانت محورًا من محاور نظام العولمة القصائدي ، وعلية فبدلاً من إجراء حوار صريح بشأن خصائصها الإيجابية والسلبية عمد المؤمنون بالعولمة إلى إحاطة شكوكهم بسياج من الصمت والكتمان .وبدءًا من الفصل الثالث من الجزء الرابع ،يرصد المؤلف التسلسل الزمني لانهيار العولمة وصولاً إلى ما نحن فيه الآن من بطالة وأزمات عالمية كان قدومها واقعًا لا محالة أمام عين الجميع لكن قوّة الإعلام وهيمنته خدرت الجميع ووضعتهم في هذا المأزق ويستشهد المؤلف بمقطع شعرى من سوفو كليس:المال أيها السادة، المال هو الآفة ..التي تصيب البشر بكل مرضولا نملك لهذه النازلة الرهيبة اسمًا ..إلاَّ هذا الاسم.بهذا الكتاب تدخل مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم بشراكتها مع الدار المصرية اللبنانية منعطفًا جديدًا في صناعة النشر الثقافي الثقيل ، وفى دعم كل الاتجاهات الفكرية ونقلها إلى الثقافة العربية لتكون متاحة أمام جميع المتخصصين في كل الحقول الفكرية ، مع العناية بشكل الكتاب داخليًّا وخارجيًّا ، وفى الاستعانة بأشهر المترجمين ، وهى المؤسسة التي تسعى إلى تمكين الأجيال المقبلة من ابتكار وتطوير حلول مستدامة لمواجهة التحديات، عن طريق نشر المعرفة ورعاية الأفكار الخلاقة التي تقود إلى إبداعات حقيقية إضافة إلى بناء جسور الحوار بين الشعوب والحضارات .وأشار محمد رشاد إلى أن الجائزة التي حصل عليها محمد الخولي تعد واحدة من الجوائز الكبرى في الوطن العربي، وليس في المملكة العربية السعودية فقط ، وتأتي في سياق الجوائز الكبرى التي نالتها الدار المصرية اللبنانية عربيًّا ومصريًّا.