بسم الله الرحمن الرحيم "وأنبتنا عليه شجرة من يقطين" سورة الصافات آية 146، كم مرة قرأت هذه السورة في القرآن الكريم، وكم مرة أدركت معناها، وكم مرة عرفت أن الله يعلمنا، ولكن مهما زاد علمنا فنحن جهلة، وكم وكم..، كان هذا لسان حالي وأنا أقف أمام نبتة اليقطين في واحات مصر التي ذهبت إليها في الأيام الأخيرة، أتلمس فيها بعضا من سكينة وهدوء افتقدناه كمصريين منذ سنوات كثيرة، ورغم أني ابنة بلد أغلبه صحراوي إلا أنني كغالبية المصريين ملتصقة بالوادي، ومعلوماتي عن صحراء مصر تكاد لا تتجاوز صحراء منطقة الهرم التي ما عادت صحراء. كانت رحلتي تلك للواحات البحرية وكأنها إعادة اكتشاف لمصر التي لا نعرفها نحن المصريين، فعلى بعد 360 كلم من القاهرة تقع منطقة الواحات البحرية، قطعة من الجنة منحها الله للمصريين دونما جهد منهم، ففيها عيون الماء الساخنة التي يصل عددها إلى حوالي 400 عين، تخرج من بعضها مياه تصل إلى درجة الغليان تشفي من كثير من الأمراض، وفيها ملايين من النخيل يخرج منها أجمل بلح في العالم، وفيها التاريخ يسير على قدمين بل على عدة أقدام، ففيها تاريخ ما قبل الميلاد وما بعده، وتاريخ الفراعنة والرومان. في الواحات البحرية الصحراء البيضاء التى لا مثيل لها في العالم، فقد كانت هذه المنطقة منذ ملايين السنين بحارا جفت فتحولت أرضها التي كانت قاع البحر إلى صحراء بيضاء بلون الثلج، وفيها الصحراء السوداء التي كانت منطقة براكين، فتحولت أرضها وحصاها إلى اللون الأسود. لا تملك وأنت تسير في هذه المنطقة إلا أن يظل لسانك يردد سبحان الله، سبحان الله من فرط ما قدم الله من جمال لهذه المنطقة. وفي زيارة لأحد بيوت هذه الواحة وجدت شجرة من دون ساق وكأنها شجر لبلاب، فقلت لصاحب البيت وهو رجل طاعن في السن ما أجملها من شجرة فقال لي بل قولي ما أقيمها من شجرة، فإنها كانت هبة الله ليونس، إذاً تلك هي شجرة اليقطين التي أنبتها الله على الأرض، التي خرج إليها سيدنا يونس بعد أن نجا من بطن الحوت، وكانت تلك المرة الأولى التي أرى فيها شجرة اليقطين، بل بدت لي على خلاف ما أظنه، كنت أتصور أن اليقطين هو قرع العسل، ولكني وجدت نباتا يشبه القرع ولكنه مختلف عنه بعض الشيء، فراح الشيخ الكبير يحكي لي وكأنه يذكر نفسه قبل أن يذكرني بمعجزة شجرة اليقطين، فهي الشجرة التى لاتقترب الحشرات منها، وهي الشجرة التي تخفض بذورها الكوليسترول والسموم من الجسم لأنها مدرة للبول، وبها نشاط مضاد للأكسدة فهي تحفز الدورة الدموية وتزيد سرعة تجهيز عمل الكبد والكلى، وهي تحمي العظام وتخفف الألم والالتهابات، وتنشط الدماغ وتعالج الأرق، ولذا فإن زيت بذورها يستخدم في الأغراض الطبية.. يا الله ألهذا أنبت الله شجرة اليقطين حيث خرج يونس لكي تبعد عن جسده الكريم الحشرات، وتداوي جروحه التي سببها الحامض والمواد الهاضمة في بطن الحوت.. سبحان الله الذي خلق لنا الداء والدواء، ودلنا على بعضه وترك لنا بعضه لنتعلمه من تجاربنا. ولم يكن اليقطين فقط في حديقة الشيخ الكبير فحسب، ولكني رأيت ثمره في أماكن كثيرة في الواحة يستخدمونه لتزيين بيوتهم، فيرسمون عليه وكانوا قديماً كما قالوا لي يستخدمونه كوعاء لحفظ زيت الزيتون وغيره من السوائل. في واحات مصر أسرار وجمال، ولكن كم منا كمصريين أو عرب يستمتع بها؟ قليل جداً ولكن الخواجات أهل الغرب أصحاب العيون الملونة والشعر الأصفر هم من يعرفون قيمتها، ويستمتعون بجمالها وسحرها رغم أنهم لا يقرأون القرآن الذي تحدث عن شجرة اليقطين التي تنبت في أرضها، فسبحان ربي إنا كنا من الظالمين، فنجنا كما نجيت يونس من بطن الحوت لنعرف قيمة عطاياك.