ملف الصناعات الغذائية فى مصر واحد من أهم الملفات المرتبطة بحياة الناس وصحتهم .. وكذلك اقتصاد مصر حيث سعت مصر منذ سنوات طويلة للدخول فى مجال تصدير السلع الغذائية للأسواق الخارجية خاصة الدول العربية لكن ثمة انتكاسة كبيرة حدثت فى السنوات العشرين الأخيرة لصادرات مصر للخارج ولهذه الانتكاسة لها أسبابها الموضوعية والتى على بساطتها لا يمكن تجاوز خطورتها خاصة وأنها دفعت بأكبر دول الخليج، وأبرزها المملكة العربية السعودية، إلى الامتناع عن إستيراد أى منتجات مصرية معبأة فى علب من الصفيح، وذلك بعد أن تم إكتشاف أن تصدير السلع الغذائية وبالأخص منتجات الألبان من الأجبان وغيرها إضافة إلى المربات والتى كان يتم تعبئتها فى علب مصنوعة من الصفيح تكون سبباً فى تغير لونها ورائحتها رغم أن الصلاحية حسب ما هو مدون على الصفيحة لا تزال مستمرة ولفترات طويلة ما يعنىء أن الكارثة تكمن فى العبوة لا فى المنتج كما سنكشف فى حلقات هذا الملف . اللافت للإنتباه أن صدأ الصفيح بات يسىء لسمعة المنتجات التى يتم تصنيعها فى مصر، وهذه قصة بدأت العام 1977 وكما يرويها أحد ضحاياها وأطرافها على العريان الذى سافر إلى السعودية ليعمل فى مجال توزيع المواد الغذائية، الأمر الذى حقق له شهرة واسعة هناك آنذاك ولا يزال صداها يتردد حتى الآن ، فى هذه الأيام طلب منه الأمير طارق بن مساعد السديرى توقيع شراكة بينهما فى مجال استيراد مواد غذائية من مصر لتوزيعها وبيعها فى المملكة العربية السعودية ، وقد أعجبته الفكرة للغاية خاصة وأن السعودية تعد من أكثر الأسواق التجارية للمنتجات المصرية. مستودع بنى مالك بعد هذه الشراكة أسس العريان مع السديري، مستودع ثلاجات بنى مالك- شارع فلسطين- الشهير بجده وأنشى جهاز مصرى لتوزيع السلع الغذائية المعباه والمغلفة بمصر فى الأسواق السعودية بعد استيرادها، وشارك العريان بقوة فى هذا المشروع، وانتشر صيته فى هذا المجال، خاصة وأنه كان ممثلاً لمصر فى معارض جدة لعام 1991 و 1992 و1993، كما ساعد الكثير من رجال الأعمال المصريين فى التواجد فى الأسواق السعودية ولعل أبرز هؤلاء هانى رزق مدير شركة ميلكى لاند بمصر. ورغم كل النجاح الذى حققه العريان فى الأسواق السعودية، إلا أن الحظ لم يحالفه على الإطلاق ليس بسبب خطأ منه، حيث انقلبت الأوضاع رأساً على عقب، إذ تحول الفساد بل إنتشر للصناعة المصرية، وظهرت ردائة صناعة الصفيح، خاصة وأن مصانع الصفيح باتت تستورد عبوات التعبئة والتغليف الرديئة ، إذ لجأت هذه المصانع لتتغيير الدولة التى تستورد منها هذه الخامات، فكانت تستورد عبوات التعبئة والتغليف من دول أوروبا، لتقوم بالإستيراد من دول شرق أسيا. غياب الرقابة ومن ثم ظهر الإخلال باتباع المواصفات القياسية فى صناعة الصفيح، وكأنها اختفت الرقابة على التصنيع، وظهرت النتائج السلبية من ردائة صناعة الصفيح مع أول شحنة غذائية من المخللات المعبئة والأجبان قام العريان بتصديرها من مصر إلى السعودية ، إذ ظهر الصدأ على العبوات الغذائية ، مع أول شهر من التصنيع، رغم أن صلاحية المنتج لم تنفذ على الإطلاق، وصلاحية الصفيحة المعبأ بها المنتج لم تنتهي،إلا أن هذه الصفقة تم إعدامها بالكامل وبلغ عددها مائتان وخمسة صفائح منها جبن ومخللات وعسل أسود وخلافه، تصل زنة العبوة1 كجم ، دون أن يتحمل معه الشريك السعودى ريال واحداً، فى الصفقة المعيبة، والتى بلغ قيمتها 480 ألف ريال سعودي. وقبل أن يتم إعدام المنتجات، قام العريان بمخاطبة مكتب التمثيل التجارى فى جدة، وقاموا بسحب العينات من البضاعة قبل إتلافها، لمخاطبة الجهات المسئولة فى مصر، وبعد عدة مراسلات إستمرت لأكثر من عام، ومخاطبات بين مصر والتمثيل التجارى للمذكور، تم حرق الثلاجة فى فبراير عام 1995 ،وبعد سداد الإلتزامات على المؤسسة وإصلاح ما تم إتلافه فى المخازن، قام بعدها الحاج على بنقل ما تبقى من الحريق إلى مصر، إذ تسبب الحريق فى تدمير قرابة 80%، من الثلاجات. المعامل والصفيح وعلى الفور أصدرت بعدها سلطات المملكة العربية السعودية قراراً بمنع إستيراد أى منتجات غذائية من السوق المصرى معبأة فى علب صفيح، خاصة وأن التعبئة فى علب الصفيح المصرى ردئ الجودة يؤدى لاكتساب الجبن لنكهة شاذة ويحدث ذلك بسبب عدم العناية بالأدوات التى يتم تعبئة الألبان بها، هذا بجانب أن تلوث الجبن بالصدأ يؤدى لارتفاع حموضة اللبن، كما ترتفع درجة ملوحة الجبن الأمر الذى يساعد فى زيادة الصدأ علب الصفيح، الأمر الذى يؤدى لتزايد أعداد اليرقات والبكتيريا فى الجبن الأمر الذى يؤدى لتلوث الغذاء وتزايد الأمراض- وهذا ما أكدت الكثير من المعامل المختبرية الصحية. سلامة الأغذية وأوضحت المعامل أن صناعة الجبن والمخللات من أكثر الصناعات القابلة للفساد والعطب، إذا لم يتم الإحتفاظ بها فى عبوات سليمة وغير قابلة للصدأ، وهذا ما تم إذ تم تعبئة صفقة العريان فى عبوات غير مطابقة لمواصفات سلامة الأغذية، هذا بجانب أن هذا الأمر أكد غياب دور المختبرات المعملية التى تحلل العبوات وتتأكد من غير قابليته للصدأ. واللافت للإنتباه أن هذه الكارثة لا زالت مستمرة حتى هذه اللحظة وهذا ما أكده أحد أفرع معمل المختبر ل» النهار» إذ أكدت منى زهران، مدير معمل المختبر فى شارع الهرم، وجود صدأ فى بعض العبوات، الأمر الذى أكد أن هذه الظاهرة ليست بجديد، وأوضحت أن الكثير من مصانع الألبات باتت تستبعد استخدام عبوات الصفيح فى التعبئة ، مشيرة إلى أن التعبئة فى عبوات بلاستيكية أيضاُ ينتج عنه أضرار صحية خاصة وأن العبوات البلاستيكية تحتوى على مواد بترولية تتفاعل مع المنتج وبالتالى يكون مادة بكتيرية تؤثر بالسلب على صحة المواطن. تلوث المنتجات وأوضحت مديرة المختبر أن تلوث المنتجات الغذائية المصدرة بالبكتريا أو السالمونيلا أو بالمخلفات الكيميائية التى يفرزها الصدأ من جراء التعبئة الغير سليمة لاستخدام الصفيح ، يسبب التسمم الغذائى الذى ربما يؤدى إلى الوفاة إذا لم يتم إسعاف المواطن. والأفضل بات هو التعبئة فى عبوات من الزجاج وفى كلتا الحالات فإن العبوة الزجاجية تغطى بغطاء من الصفيح القابل أيضاص للصدأ وففى هذه الحالة بات الأهم هو تشديد الرقابة على مصانع الصفيح فى مصر، وإلزامها على استيراد المواد الخام من دول أوروبا ، الدول الأكثر جودة فى خاماتها. فكل هذا بات يزيد من التساؤل حول أين دور الرقابة على الصادرات والواردات فى مصر؟، خاصة وأنه من المفترض أن توجد لجنة فنية فى المطارات والموانىء تختص بأخذ عينات من الأغذية التى يتم تصديرها وتحليلها هذا بجانب الرقابة على جودة العبوة التى يتم التعبئة فيها لمنع اى أثار قد تؤثر بالسلب على المنتج المصرى ، الأمر الذى بات يسىء لسمعة مصر ، بأنها الدولة المصنعة للمواد الأكثر ردائة. شكاوى العريان والغريب فى الأمر أنه رغم الشكاوى التى تقدم بها الحاج على العريان لوزارة التجارة والصناعة وهيئة الرقابة على الصادرات والواردات، فكل يوم يتم ضبط مداهمة الكثير من الثلاجات فى مصر والتى تحتوى على كميات كبيرة من الجبن الأبيض والمعبأة فى عدد من الصفائح الصاج والتى لاتوصف إلا «بالصفيحة السوداء» لكثرة مابها من صدأ فى جميع جوانبها، ولعل آخر هذه الحوادث الحملة التى قام بها منذ بضعة أشهر اللواء أمجد عبد الفتاح مدير إدارة البحث الجنائى بالمديرية والعميد أشرف ربيع رئيس المباحث الجنائية بالمديرية عن قيام حملة أمنية مكونة من مباحث التموين ومديرية التموين بكفرالشيخ لضبط الأسواق والخارجين عن القانون والسلع المدعمة والتى يتم بيعها فى السوق السوداء وذلك بمركز ومدينة كفرالشيخ، إذ تم ، اكتشاف ثلاجات للأغذية فى صفائح يملأها الصدأ، والتى تسبب الكثير من الأمراض كالفشل الكلوى ، إذ أكد تقريرصادر من وزارة الصحة بأن أكثر من 25% من الشعب المصرى يتعرضوا سنوياً للإصابة بالفشل الكلوى جراء تلوث الماء والغذاء، وأكثر من خمسة ملايين مواطن يتعرضوا للإصابة للإلتهاب الكبدي. أباطرة الصفيح فكل هذا يؤكد أن مصر يوجد بها أباطرة لصناعة الصفيح واحتكاره وتصنيعة من الخامات الأردىء التى تتسبب فى الصدأ ومن ثم تؤثر بالسلب على صحة الإنسان، لذا طالبت « النهار» وزارة التجارة والصناعة وهيئة الرقابة والجودة بضرورة تشديد الرقابة على انتاج العبوات الصفيحية، ومن ثم تغيير نمط التعبئة الصفائح الحديدية إلى نظم تعبئة أكثر سلامة، كالعلب البلاستيكية أو التغليف بالألمونيوم ، لتجنب الصدأ وللحصول على غذاء آمن وصحي، الأمر الذى يعيد بالضرورة سمعة مصر من جديد.. فى الأعداد القادمة «النهار» تكشف المزيد من أسراتر هذا الملف الشائك.