لم تكن مصر منقسمة أبداً علي نفسها مثلما هي منقسمة الآن.. والسبب في ذلك ليس الثورة.. وليس الديمقراطية.. ولكنها الممارسات الخاطئة من كل الأطراف التي أوصلتنا إلي ما نحن فيه اليوم.. فقد عدنا إلي نقطة الصفر والحمدلله بعد أحكام المحكمة الدستورية العليا بعدم د ستورية قانون العزل السياسي وعدم دستورية قانون انتخابات المقاعد الفردية لمجلس الشعب. وطبقاً لما ورد في المؤتمر الصحفي الذي أعقب النطق بالحكم فلم يعد لدينا برلمان ولا جمعية تأسيسية وربما لن يكون لدينا مجلس الشوري.. ولكن لدينا انتخابات رئاسية يقول الكثيرون إن نتيجتها معروفة مقدماً. وإذا ما تم حل مجلس الشعب فسوف يستعيد المجلس العسكري السلطة التشريعية مرة أخري. ليسلمها مع السلطة التنفيذية إلي الرئيس المنتخب الذي سيأتي بسلطات تشريعية وتنفيذية مطلقة.. وسوف يكون بلا رقابة عليه وعلي حكومته.. ويكون من حقه أن يصدر مراسيم بقوانين في غياب البرلمان.. وهذا أخطر ما في الموضوع. كثيرون يبدون شكوكا في أن يسلم المجلس الأعلي للقوات المسلحة السلطتين للرئيس القادم في أول يوليو حسب الجدول المعلن.. وكثيرون يتخوفون من أن تصنع السلطات المطلقة فرعوناً جديداً أسوأ من مبارك والسادات وعبدالناصر وتدخل بالبلاد إلي نفق مظلم.. وكأن الثورة لم تغير شيئاً.. وهذا أيضاً أخطر ما في الموضوع. كل الأطراف الآن أسري الخوف من الغد.. لا أحد مطمئناً.. كل طرف لديه من الأسباب الكثيرة التي تجعله غير مطمئن.. ويبدو أن هذا كان هدفاً مطلوباً حتي نظل ندور في حلقة مفرغة. الآن يدعو الدكتور محمد البرادعي إلي تأجيل انتخابات الإعادة بين مرسي وشفيق علي اعتبار أن انتخاب رئيس في غياب دستور وبرلمان هو انتخاب لرئيس له سلطات لم تعرفها أعتي النظم الديكتاتورية.. ويطرح حلين للخروج من المأزق: الأول التوافق علي مجلس رئاسي يشكل لجنة تأسيسية وحكومة إنقاذ وطني ويشرف علي انتخابات برلمانية ورئاسية بعد إقرار الدستور.. والثاني رئيس مؤقت مع حكومة إنقاذ وطني يشكل لجنة توافقية لوضع الدستور.. ثم انتخابات برلمانية ورئاسية بعد إقرار الدستور. لكن المشكلة أن البرادعي يعود بنا إلي الحل عبر التوافق وهو حل مستحيل.. والكلمة نفسها أصبحت ممجوجة.. فلا أحد عندنا يتوافق علي شيء.. وكيف سيرضي كل الأطراف.. ومن الذي سيدعي للتوافق علي مجلس رئاسي إذا كانوا لم يتوافقوا علي الجمعية التأسيسية؟! ومن أين يأتي الرئيس المؤقت في ظل الأمواج العاتية والغاضبة التي يتعرض لها الوطن حالياً؟! لقد أحدثت أحكام المحكمة الدستورية العليا صدمة حقيقية هائلة لدي قطاع عريض من الشعب المصري.. وعلي الرغم من ذلك فإن صوت العقل هو المطلوب الآن للخروج من الأزمة بسلام. في مثل هذه الظروف الملتبسة.. عندما تختلط الأوراق وتتشتت المسيرة وتصبح الصورة غائمة.. يجب علي كل الأطراف أن تعلي مصلحة الوطن فوق كل شيء.. فمصر باقية والكل زائل.. وأن يلتزم الجميع بضبط النفس حتي يجعل الله بعد عسر يسرا.