مازالت الأحزاب الكرتونية القديمة تلعب نفس اللعبة الخائبة التي كانت تلعبها في ظل نظام مبارك.. وتمارس نفس الدور الساذج الذي كانت تمارسه.. دون أن تتنبه إلي أن الزمن تغير تماما.. واللعبة السياسية تحتاج إلي لاعبين مهرة.. يعرفون كيف يتعاملون مع الشارع.. ويتواصلون مع المواطنين. هذه الأحزاب الكرتونية التقليدية القديمة لا تراهن علي الشارع.. ولا علي المواطن.. وإنما تراهن علي السلطة.. والسلطة وحدها.. إن قربها السلطان إليه كانت معه بلسانها الذي لا تملك غيره.. وإن أهملها ونأي عنها كانت عليه.. حتي تنبهه إلي أنها موجودة.. وأنها تستحق منه أن يوليها شيئا من اهتمامه.. لأنها مفيدة له.. ومستعدة لأن توظف لخدمته.. لكنها في كل الأحوال ترتعد خوفاً من أية انتخابات حرة نزيهة تكشف حجمها الحقيقي. ومما يؤسف له أن هذه الأحزاب كثر عددها بعد الثورة وتشابهت أسماؤها بحيث صار من الصعب أن يميز الناس بين بعضها البعض.. أضف إلي ذلك أنها لا تظهر إلا في المناسبات.. بهدف اثبات الذات والحصول علي دور.. أي دور. وقد رأينا منها أداء هزلياً في الجولة الأولي للانتخابات الرئاسية التي لم يكن لها فيها ناقة ولا جمل.. معظم هذه الأحزاب وقف من هذه الانتخابات موقف المتفرج الحانق المذهول.. وبعضها حاول أن يتعلق باللعبة الانتخابية فأعلن دعمه لأحد المرشحين.. لكنه في الحقيقة لم يضف لمرشحه شيئاً.. بل ربما كان عبئاً ووبالاً عليه. وبعد الانتخابات حاولت بعض تلك الأحزاب أن تخرج صوتها لإثبات الوجود.. وكان غريباً أن تقرأ ذات يوم في الصحف أن 21 حزبا تعلن شروطها للوقوف إلي جانب أحد المرشحين في انتخابات الإعادة.. ومن يعد قراءة البيانات التي أصدرتها الأحزاب العديدة سوف تأخذه الدهشة ويكتشف بعد زمن طويل أن مصر فيها كل تلك الأحزاب. من واجبي أن أعترف بأن استمرار وجود هذه الأحزاب علي الهامش وبالضعف الذي هي عليه يسيء إلي الحياة السياسية المصرية ويفسدها.. لأنه يجعل المنافسة الحزبية عندنا شكلية وغير جادة.. ويعيدنا مرة أخري إلي صناعة الاستقطاب السياسي الحاد بين حزبين أو ثلاثة. ثم إنه يجعل هذه الأحزاب الضعيفة قابلة للإحتواء تحت أي حزب من الأحزاب الكبيرة.. وبالتالي يحرم الساحة الحزبية من التنوع والتعدد المطلوبين. لذلك.. يجب أن تستيقظ هذه الأحزاب من غفوتها.. وتبني نفسها علي أسس صحيحة.. وتدرك أن السياسة منافسة نظيفة وشريفة من خلال صندوق الانتخاب.. وأن من يذهب إلي الحرب بالخيول والسيوف لن يكون له وجود أمام من يحارب بالدبابات والطائرات. لقد تغير الزمن وتغيرت قواعد اللعبة.. ولم يعد للمهيجين والمهرجين والكذابين والأفاقين المنافقين مكان في العمل السياسي والحزبي الذي يحتاج إلي رجال ذوي عقول وذوي إرادة ومنهج ورؤية.. وقبل هذا وبعده ذوي ضمائر حية حتي يحترمهم الشعب ويمنحهم صوته. لم تعد الساحة السياسية شعارات وهتافات.. ولن تكون في المستقبل مجرد مظاهرات ومليونيات أسبوعية.. وإنما ستخضع للتنظيم والترتيب.. ومن أجل هذا كانت حرية تشكيل الأحزاب هي المقدمة الأولي للحياة السياسية السليمة.. ومن واجب كل القوي التي لا تجد من الأحزاب القائمة ما يعبر عنها أن تسارع إلي إنشاء أحزاب لها لتضاف إلي عناصر المنافسة السياسية القوية والمؤثرة. لا يكفي أن تعلو الأصوات شاجبة ومنددة هنا وهناك. وانما يجب أن يتم تنظيم هذه الأصوات في حزب قوي له مباديء معروفة يجذب الناس إليها ليشكل تيارا شعبيا ينافس علي السلطة. نعم.. الهدف الأساسي للعمل الحزبي والسياسي هو المنافسة من أجل الوصول الي السلطة وتطبيق الأفكار والمباديء والسياسات التي حملها هذا الحزب أو ذاك.. والتعريف العلمي للسياسة هو أنها علم الرياسة أي السلطة بصرف النظر عن نظام الحكم. لذلك.. يجب أن نحيي الدكتور محمد البرادعي علي خطوته المتأخرة لتأسيس حزب الدستور.. وندعو المرشحين الذين لم يوفقوا في الجولة الاولي من الانتخابات الرئاسية إلي تشكيل أحزاب تخوض غمار العمل السياسي وفق أساليب منظمة ومشروعة.. تضمن لهم دعم الجماهير. وأخص بالدعوة والنداء هنا الصديقين حمدين صباحي ود. عبدالمنعم أبوالفتوح وذلك بعد أن تم تنصيب السيد عمرو موسي رئيسا شرفيا لحزب الوفد الذي كان يدعمه بينما سافر المستشار هشام البسطويسي إلي عمله بالخليج تاركا حزب التجمع إلي مصيره المحتوم. وتعالوا نتصور معا شكل الحياة السياسية لو أن كلا من صباحي وأبو الفتوح أنشأ حزبا ضم الملايين التي انتخبته علي مستوي الجمهورية. سوف يأتي الأول حزباً ناصرياً يعبر عن القاعدة العريضة التي مازالت مقتنعة بأفكار وتوجهات عبدالناصر رغم تباعد الزمن ورغم التشويه الكبير الذي لحق بها.. ويأتي الثاني حزبا ليبراليا يمثل التمازج المطلوب والمطروح حاليا للتوجه الليبرالي الاسلامي المنفتح الذي يعبر عن الخصوصية المصرية. والأمر المؤكد أن الحياة السياسية بدخول هذين الحزبين اليها ستكون أكثر جاذبية وجدية.. وسيكون المناخ السياسي أكثر صحة وأقل فسادا.. إشارات * المصريون لن ينتظروا ما يفعله فيهم الرئيس القادم.. بالعكس هو الذي سوف ينتظر ما يفعلون به. * محاكمة مبارك.. البراءة مستبعدة والإعدام مستحيل. * الشعب يريد استمرار الطواريء.. معقووووول!!!