لا أدري ما هو الأمر الجلل الذي يدفعنا الآن إلي تعديل قانون الأزهر الذي صدر هذا العام .. وما هو مبرر تعديل النص الذي يؤكد علي مرجعية الأزهر النهائية ومسئولية شيخه في كل ما يتصل بشئون الإسلام وعلومه وتراثه وما يتعلق بالقرآن الكريم وعلومه ورجاله .. وهل هذا هو الوقت المناسب لفتح باب الجدل حول هذا الموضوع الشائك وسط حمي الانتخابات الرئاسية ومعارك الدستور والأحكام القضائية التي تفاجئنا صباحاً ومساء؟! أعرف النائب المحترم علي قطامش الذي قدم مشروع القانون لتعديل النص الخاص بمرجعية الأزهر .. التقيته في أحد البرامج الحوارية التليفزيونية .. رجل هادئ مريح عاقل يتحدث بحساب .. كذلك تعجبت من أن يقدم علي هذه الخطوة في المرحلة الملتبسة التي تعيشها مصر حالياً .. والتي شبعت فيها جدلاً وتجريحاً لكل شئ جميل فيها. كان علي الأخ قطامش أن يتحسب للمزاج المصري العام الذي يري في الأزهر الشريف مرفاً الأمان إزاء الأفكار والتيارات المتلاطمة .. ويأنس تماماً للكلمة والموقف التي تصدر عن الأزهر ليس في القضايا الدينية فقط وإنما في القضايا الثقافية والسياسية .. وقد اتضح هذا جلياً في الحوار الذي أداره الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر مع المثقفين والسياسيين وخرج منه بوثيقتين تمثلان محلاً للتوافق الكبير بين الفرقاء السياسيين الذين لم يتفقوا علي شئ آخر حتي الآن. والأزهر الشريف يحظي بمكانة عالية في المجتمع المصري .. ويجب أن نحافظ علي هذه المكانة .. خصوصاً أن التيارات الإسلامية التي عملت من قبل في مجال الدعوة اختارت أن تخوض غمار السياسة .. والسياسة فيها صواب وخطأ .. ومن ثم فسوف يتم تجريح هذه التيارات .. ولن تستطيع أن تظل علي نقائها وهيبتها في نفوس الناس مثلما كانت قبل أن تنزل إلي الساحة السياسية .. ومن ثم فسوف يكون علينا أن نتمسك بأن تكون مرجعية الأزهر الدينية هي المرجعية النهائية والوحيدة فيما يتعلق بالأمور الدينية. والأزهر إلي جانب ذلك منارة علمية عالمية اشتهرت بها مصر علي مر العصور .. وحققت لها مكانة سامية في ضمير كل مسلم علي مستوي العالم .. ومن واجبنا أن ندعم هذه المكانة ونرتقي بها .. وأن نربط علماء الدين في كل بقاع الأرض بهذا المعهد الإسلامي المصري العريق .. ونجعل من خريجيه المنتشرين علي مستوي العالم سفراء لمصر .. وهم كذلك فعلاً .. وكم من شهادات سجلت عن كرم مصر وعلمها وفضلها من قبل هؤلاء الخريجين الذين أصبح منهم رؤساء جمهوريات ورؤساء حكومات ووزراء وسفراء وعلماء. هل يليق أن يشيد العالم بفكر الأزهر ودوره المنتظر في الدفاع عن الوسطية الإسلامية أمام دعوات الافراط والتفريط بينما يتجه البرلمان إلي تحجيم دور الأزهر حتي ينحصر في كونه مؤسسة تعليمية منغلقة علي نفسها؟! نحن في حاجة إلي الأزهر وإلي علمائه الأفذاذ .. وإلي دوره الوطني .. نحن في حاجة إلي الأزهر شامخ القامة عالي الهمة .. نذهب إليه بخلافاتنا وصراعاتنا فنعود متفقين مطمئنين إلي أنه ليس له مصلحة هنا أو هناك وإنما مصلحته الوحيدة هي الدين والوطن .. نحن في حاجة إلي الأزهر ليحمينا من الشطط ذات اليمين وذات الشمال وما أكثر الذاهبين الي الشطط هذه الأيام طلباً لشعبية زائفة أو معاندة ومكابرة سياسية. قبل ثورة يوليو 1952 كان الأزهر قوة وحجة وكان رجاله كالشموس الزاهرة .. لكن النظام السياسي الذي أنشأته ثورة يوليو أضعف الأزهر وجعله تابعاً للدولة ففقد استقلاله وفقد جانباً كبيراً من قوته .. والآن تداعبنا الأشواق إلي أن يعود الأزهر إلي مكانته ودوره بعد ثورة 25يناير 2011 وتكون له كلمة فيما يمر بالوطن من أحداث .. وتكون له الكلمة الفاصلة في القضايا الدينية حينما يختلف أصحاب المذاهب والاجتهادات. ولو لم نضمن جميعاً استمرار واستقرار مرجعية الأزهر الدينية النهائية فسوف نسقط في الفوضي .. فالذين يفتون الآن ما أكثرهم .. ومنهم من يفتي بعلم ومن يفتي بغير علم .. وأدي ذلك إلي أن سقطت المصداقية عن الكثيرين .. ولم يعد هناك يقين إلا في الأزهر ورجاله .. الأزهر الذي نأي بنفسه عن اللعبة السياسية واختار أن يكون لأبناء الوطن جميعاً. أرجو أن يسارع الأخ علي قطامش إلي سحب مشروع القانون الذي قدمه إلي اللجنة التشريعية بمجلس الشعب بعد أن اعترضت عليه الأغلبية التي تريد الأزهر مرجعية نهائية ووحيدة للقضايا الدينية .. لو فعل ذلك فسوف نشكر له أنه جنبنا فصلاً جديداً للجدل والانقسام.