لم تكتمل فرحتنا بقرار وقف تصدير الغاز لاسرائيل.. فبعد ساعات قلائل من الارتياح العام الذي ساد الشارع المصري لهذا القرار خرجت السيدة فايزة أبو النجا وزيرة التخطيط والتعاون الدولي بتصريح صادم قالت فيه إن الحكومة مستعدة لإعادة تصدير الغاز لإسرائيل باسعار جديدة وفق عقد وشروط جديدة. أعرف أن من ضرورات السياسة أن تصر الحكومة علي أن قرار وقف تصدير الغاز لاسرائيل يرجع لاسباب تجارية فقط حتي تنزع فتيل التوتر مع اسرائيل وتقطع عليها طريق اللجوء إلي التحكيم الدولي والحصول علي تعويضات.. وربما يكون الأمر في حقيقته علي هذا النحو فعلاً.. لكن الذي أعرفه أكثر من ذلك هو أن منع تصدير الغاز لاسرائيل قرار سياسي وطني بامتياز سواء أدرك الذين أصدروه ذلك أم لا. هو قرار طال انتظاره منذ أن تنحي الفرعون الأكبر في 11 فبراير 2011 وجاء متأخرا كثيرا.. وكان يجب علي الحكومة أو المجلس العسكري اتخاذه قبل عام استجابة لإرادة وأشواق الشعب المصري الذي كان دائما يشعر بالعار والمهانة عندما يري العدو يستمتع بالغاز المصري بينما المصريون أنفسهم في العشوائيات ومعظم المحافظات يبحثون عن أنبوبة البوتاجاز فلا يجدونها. ومما زاد همنا وغمنا بعد الفرحة القصيرة التي لم تكتمل أن التصريحات الرسمية التي خرجت من مصر بعد قرار منع تصدير الغاز لاسرائيل كانت هزيلة ومرتعشة ومتهافتة في مواجهة التصريحات النارية التي أدلي بها صقور اسرائيل وحمائمها وفيها كثير من التهديد والوعيد بشكل مباشر وصريح أحيانا وغير صريح أحيانا أخري. الاستثناء الوحيد في هذا الصدد ما أعلنه المشير محمد حسين طنطاوي خلال المرحلة الرئيسية من المناورة التكتيكية بالذخيرة الحية للجيش الثاني الميداني حيث أكد أن حدود مصر ملتهبة بصفة مستمرة.. لكن نحن لا نعتدي علي أحد من البلاد المحيطة بل ندافع عن حدودنا واذا اقترب أحد من حدودنا فسنكسر يده وستظل قواتنا جاهزة دائما. وكان لابد أن تصدر هذه الرسالة القوية والواضحة والمحددة للرد علي استفزازات وزير الخارجية الاسرائيلي افيجدور ليبرمان الذي قال ان اقدام مصر علي إلغاء اتفاق الغاز لا يبشر بالخير.. وأن اسرائيل تتابع التطورات في مصر بشكل متواصل.. واستفزازات وزير الدفاع الاسرائيلي إيهود باراك الذي قال ان اسرائيل أقوي دولة في الشرق الأوسط ويمكنها مواجهة أي عدو قريبا كان أو بعيداً بفضل الشبان المستعدين لخوض القتال دفاعاً عن سيادة اسرائيل ومستقبلها. أما وزير الطاقة الاسرائيلي عوزي لاندو فقد دعا مصر إلي العدول عن قرارها الذي يضر باتفاق السلام الهش بين البلدين.. وقال وزير المالية الاسرائيلي يوفال شتاينتس انني أنظر وبخطورة بالغة حيال القرار المصري.. فهذه الخطوة سابقة خطيرة تهدد اتفاقية السلام بين البلدين. وتجاوز رئيس الأركان الاسرائيلي الجنرال بيني جانتس كل الحدود في تصريح قال فيه إنه في حال تحول مصر إلي دولة عدو بعد سنوات طويلة من السلام فان جنود الجيش الاسرائيلي مستعدون. ماذا كانت تصريحاتنا في مواجهة هذه الاستفزازات الوقحة؟! السيدة فايزة أبو النجا أصرت علي أن وزارة البترول والحكومة ليس لهما دخل في هذا الأمر الذي يخص عقداً تجارياً بين شركتين وقد تم اخطار الاسرائيليين 5 مرات لعدم السداد ولم يستجيبوا.. حيث كان آخر مبلغ سددوه في 31 مارس الماضي ولم يلتزم الجانب الاسرائيلي بالسداد منذ ذلك الحين مما اعتبر معه العقد مفسوخاً من تلقاء نفسه. وهذا الكلام الناعم ينفذ في صدورنا كالرصاص.. لانه لم يشف غليلنا ولم يستجب لأشواقنا الوطنية.. ولانه يعني أيضا اننا صدرنا الغاز لاسرائيل دون مقابل.. ويجب ان تعرف الآن الفترة التي تم التوقف عن السداد فيها ولماذا لم يوقف ضخ الغاز منذ 31 مارس مباشرة. علي الجانب الآخر صرح المهندس عبدالله غراب وزير البترول بأن وقف تصدير الغاز لاسرائيل لا يعكس توجهات الدولة ولا تحكمه اية اعتبارات سياسية ولا يخرج عن كونه خلافا تجاريا. وهكذا أفسد الوزيران فرحتنا.. وأفرغاها من مضمونها.. ومسحا القضية من المربع الوطني إلي المربع التجاري مثل أية "خناقة" علي سلعة بين شخصين.. كأنهما استكثرا علينا الفرحة والشعور بالعزة والكرامة ليوم أو بعض يوم. ليتهما علي الأقل قالا مثلما قال الأخ محمد شعيب رئيس الشركة القابضة للغاز الذي أكد أن قرار منع تصدير الغاز لاسرائيل نهائي ولا رجعة فيه مطلقاً.. وهو ربما يدرك في داخله أنه "مايقدرش" يكفي أنه جعلنا نشعر أنه مثلنا فرحان ولو من بعيد لبعيد.