بكاؤكما يشفي وإن كان لا يجدي لماذا أشعر بالعجز أمام الرغبة في البكاء؟ هذه المليونيات المحتشدة تبكيني إلي حد النحيب وكانت تملأني بالأمل والتفاؤل.. كانت الميادين نظيفة والناس مستبشرة ومبتهجة حتي سقوط سجن مبارك وسجانيه ومافيا نظامه. وكان ما خلناه حلما ليس سوي وهم وأماني. هذه المليونيات الأخيرة تبكيني وأتمني لو أصرخ واستغيث ولكن بمن؟! أتواري عن العيون حتي لا يسألني سائل لماذا تبكين؟ السؤال يدمر ما تبقي من كوابح تفرضها اللياقة ويطلق العنان لسيل من الدموع فكيف لا يري السائل ما آلت إليه الأمور. وما نحن فيه الآن؟! بعد 15 شهرا من ثورة مغدور بها غدرا. وأبناء بالمئات واراهم التراب وجنازات للأمهات أمام المحاكم وشباب وضعوا النظارات السوداء غطاء لعيون فقدوها في الميدان بفعل قناصة محترفين تابعين للنظام الذي لم يسقط. وبعد فخاخ. وألغام. واغتيالات لم تتوقف عن عمد لقائمة من أفضل النشطاء ثم بعد محاكمات بدأت ولم تنته فكل التفاصيل مرصودة في سيناريو الغدر وشفط الثورة وتصفية الثوار. بعد كل هذا ما هي المحصلة؟ برلمان سوف يدخل التاريخ بأكبر نسبة من الرجال الملتحين وأكبر كم من "الزبيب" الأزرق فوق الجباه. وأكبر شحنات من الكفر بالثورة إن لم تحقق المغانم وتمهد لسدة الحكم. غياب للحرية والعدالة وللنظام والأخلاق والسلوك السوي وحضور يخرق العين لأكوام الزبالة في كل شارع في بلادي. نواب عن الشعب يكذبون. ورعاع بالآلاف يقطعون الطرق والكباري ويهدمون القانون. سباق هزلي عبثي إلي كرسي الرئاسة وكأنه مقعد في سينما ترسو. عربدة سياسية باسم الدين وسفالة غير مسبوقة باسم الدين. و"تثبيت" للحكام علي طريقة السرقة بالإكراه باسم الدين أيضا. القادرون هجوا وهاجروا أو تركوا البلاد. اليائسون بقوا ينشرون مشاعر الإحباط. المنافقون احتشدوا في "زفاف" أساطين النظام القديم في رحلة العودة إلي الحكم واستعادة "مبارك". كان الشعب عجينة واحدة طوال 18 يوما وبفعل الفواعلية العظام. تفرقت به السبل في أشكال شتي متعادية.. السمعة الطيبة التي حققتها الثورة طمستها ثورة مضادة. الصراع الرهيب للعودة إلي الماضي يدعونا للاحتشاد والعودة إلي الميادين.. فهل نحن في دائرة مفرغة؟! وهل تشرق الشمس؟ هل ينجح الجزء الثاني من ثورة اغتيلت غِلابا؟؟ ألا يدعو هذا كله للبكاء؟