اليوم الأحد يبدأ "مهرجان أفلام طاغور" ويستمر حتي يوم الخميس وذلك في المركز الثقافي الهندي.. يتضمن المهرجان عدداً من الأفلام السينمائية الروائية والتسجيلية التي تتناول حياة الشاعر والروائي والرسام والمناضل الوطني رانبدارناث طاغور "1861- 1941". يقام المهرجان بمناسبة مرور 150 عاماً علي ميلاد هذه الشخصية العالمية التي أصبح ميراثها الثقافي والفكري والفني ملكاً للبشرية جمعاء.. فطاغور أول أديب من خارج أوروبا يحصل علي جائزة نوبل للآداب عام 1913.. وهو الأديب الذي جذبت أعماله الروائية أحد أهم المخرجين علي مستوي العالم أيضاً وهو المخرج الهندي ساتياجيت راي "1921-1992" والاثنان من إقليم البنغال. والمهرجان يبدأ بفيلم يجمع بين المخرج والأديب الهنديين ويعتبر من أجمل أعمال الأول وأكثر ابداعات الثاني اهمية حيث يجمع الفيلم بين السياسية والحكاية الرومانسية في قصة تدور أحداثها في مرحلة مشحونة بالأحداث والقلق السياسي والثورة علي الممارسات الاستعمارية البريطانية والسياسات التي انتهجتها بريطانيا عموماً في مستعمراتها والتي تقوم فلسفة "فرق تسد" التي تواجه بها- حتي الآن- القوي القامعة في أي بلد لأي ثورة أو تمرد شعبي يقام ضدها. الفيلم بعنوان "جهاري بايري" ومعناه "الوطن والعالم" عن رواية لطاغور "تمكين النساء" شدت انتباه ساتيا حيث رأي منذ الأربعينيات وكتب لها سيناريو ولم يتمكن من انتاجه بسبب المناخ السياسي إلا في عام 1984 أي في المراحل المتأخرة من حياة المخرج الفنية.. تدور الأحداث في إقليم البنغال عام 1905 حيث يتولي الجنرال البريطاني "اللورد كيرزون" تنفيذ سياسة "فرق تسد" لتجزئة المواطنين وشق صفوفهم باستعداء الهندوس ضد المسلمين وتصدي الحركة الوطنية البنغالية لهذه النزعة التحريضية التي تقوم علي أساس ديني وعرقي وتهدف الي تقسيم البنغال. وفي هذا الجو المضطرب يعيش الزوجان الثريان المتعلمان "نيكيل" و"ييمالا" والمنتميان أيضاً لحركة المقاومة البنغالية.. ويدخل في هذه العلاقة بحكم الصداقة زميل الزوج "ساندين" وهو شاب وطني مناضل يقف ضد السيطرة البريطانية. وفي هذه المرحلة أيضاً تظل علي استحياء فكرة تحرير المرأة. والصدام التلقائي الذي لا مفر منه بين التقاليد وبين الطموح والتلطعات المرتبطة بوضعية المرأة. المرأة في هذا العمل تجسدها الزوجة التي ارتبطت برجل يؤمن بحريتها وبحقها في التعليم والحياة من دون أغلال. ولكنها تتعرض بوعي منها أو من دون وعي الي اختبار يسوقه الزوج من خلال صديقه الثائر الذي يتردد علي الزوجين مدعياً الثورية والرفض القاطع للسياسات البريطانية. ومع تقدم القصة تبدأ الأحداث في الكشف عن حقيقة الصديق وسلوكه المبطن بالانتهازية والخداع ولكن بعد أن تنجذب اليه الزوجة وتقع في هواه ومن ثم تسقط في الفخ الذي نصبه زوجها من أجل اختبار اخلاصها له وفي نفس الوقت يتكشف ادعاء ونفاق الشاب الذي يقود ثورة اقتصادية وسياسية ضد الانجليز. ويعتبر الفيلم معالجة جيدة للفترة الزمنية المضطربة في هذه المرحلة من مراحل المقاومة التي تفشل وتواجه بالقمع ويتم احباطها. وأيضاً اشارة لبداية ظهور فكرة المرأة المودرن "الحديثة" في الطبقة البرجوازية في الهند إبان الاستعمار البريطاني. والضغوط الهائلة التي تواجهها بطلة الفيلم التي أمنت بهذه الفكرة علي حساب التقاليد الهندية الاجتماعية الراسخة التي خضعت لها المرأة مئات السنين. رابندراناث طاغور وتحت هذا العنوان يشاهد المتابعون للمهرجان فيلما تسجيليا آخر لنفس المخرج عن حياة طاغور حيث يقدم "بورترية" أو صورة حية ومعتمدة عن الشاعر الهندي وهي "معتمدة" لأنها لم تتضمن أية مظاهر أو سمات من شأنها أن تثير خلافا أو جدلا حول حياة طاغور. أو حول مصداقية الأحداث ورغم ذلك فإنه أبعد ما يكون عن أعمال الدعاية المباشرة "البروباجندا". ويحتوي الفيلم إلي جانب الصور والمشاهد التسجيلية أجزاءً درامية يؤديها ممثلون تصور حياة الشاعر طفلا وتستحضر صورا من مراحل مراهنة وتعكس أفكاره وميوله وعبقريته كشاعر وإنسان ينبذ كافة أشكال القيد علي حرية التفكير والحق في الحياة وفي التعليم التربية السليمة. ويري ساتياجيت راي أن هذا الفيلم تحديدا يتضمن ما يزيد علي عشر دقائق يعتبرها من وجهة نظره أكثر المشاهد المؤثرة والقوية التي أخرجها في حياته وقد حصل هذا الفيلم علي عدة جوائز محلية ودولية. البنات الثلاثة. ولم يكن ساتيا جيت راي مفتونا فقط بأعمال طاغور ولكنه أيضا من أقدر الذين عبروا عن روحه وأفكاره وشخصياته ورؤاه رغم أن أعمال طاغور جذبت مخرجين آخرين سنري بعضا من تجاربهم في المهرجان.. ومن القصص التي عالجها المخرج مستلهما أحد أعمال الشاعر والروائي فيلم "تين كانيا" ومعناها "البنات الثلاث" وهو عبارة عن ثلاث أفلام قصيرة مستغلة حول ثلاثة نماذج من الإناث مختلفة. الأول بعنوان "موظف البريد" والثاني بعنوان "مونبهارا" والثالث بعنوان "سمابتي" والفيلم تم انتاجه للعرض بمناسبة العيد المئوي لميلاد تاغور أي في عام .1961الفيلم الأول يقدمه "طفله" صغيرة تقوم بخدمة موظف البريد الذي يأتي للقرية ويعيش فيها لفترة ثم يغادر.. وهذه الصغيرة "راتان" من خلال وظيفتها هذه. لم تعتد الحنان ولا التعاطف من هؤلاء الموظفين القادمين من المدينة. ولكن الموظف الذي يشير إليه عنوان الفيلم ينتمي لشريحة مختلفة. تحمل سمات إنسانية كافية لتقديم يد المساعدة للبنت الصغيرة وأهمها محاولة تعليمها ومن ثم توسيع مداركها ولكنه في النهاية يرحل مثل سابقيه تاركا إياها لقدرها. الفيلم بسيط وعميق في ذات الوقت ومثله الفيلم الثاني الذي يقدم نموذجا آخر مختلفا عن امرأة جميلة تدعي "مونبهارا" تتزوج من ثري يحبها ويدللها ولكنها جشعة لا تعرف العواطف بقدر ما تعشق المجوهرات التي يمتلكها وتجد فيها ذاتها. وحين يفلس الزوج وتعتقد أنه ربما يلجأ إلي بيع مجوهراتها تقرر الهروب. الأمر الذي يصيب الزوج بالجنون حتي أنه يعتزل العالم.. الفيلم يقدم في إطار اسطوري وباعتباره حكاية رمزية يحكيها مدرس مفتون بالحكي القصص حتي أنه يقرر سرد الحكاية لشخصية غامضة يعيش بجوار النهر يتضح في النهاية أنها شخصية الزوج نفسه الذي خدع في امرأته. والقصة الثالثة وبطلتها امرأة أيضا ولكنها في هذه المرأة تعيش بعقل طفلة تعشق الحرية و"المرجيحة" والانطلاق مثل الطائر. وتتزوج رغما عنها من طالب جامعي ينجذب إليها رغم رفض أمه المؤمنة بالاختيار التقليدي للزوجة الصالحة لابتعاده لكن هذه الفتاة المنطلقة ببراءة تدرك أهمية الحب والارتباط بالزوج بعد هجر الأخير لها. يتضمن البرنامج أيضاً أحد أعمال المخرجين البنغاليين المهمين وهو المخرج تابان سينها والفيلم مأخوذ عن أحد أعمال طاغور الذي عالجها هذا المخرج بأسلوبه الخاص وقد أصبح ضمن الأعمال الكلاسيكية الهندية ويقوم ببطولته ممثل بنغالي شهير هو سوميترا تشاترجي وتحكي قصة حكاية مأمور ضرائب ينتقل للعيش في قصر مسكون بالأشباح بمدينة صغيرة يقع في غرام فتاة جميلة تنتمي إلي عالم الأشباح. وبرغم الاختلاف الذي رصده النقاد عن القصة الأصلية التي كتبها طاغور إلا أن الفيلم يحتفظ بالمضمون الأساسي لها ويضيف إليها أبعاداً جديدة.. وقد حاز فيلم "كوديتو باشان" أو "الأحجار الجائعة" علي الجائزة الوطنية ويعتبر ضمن روائع الأعمال الهندية "1960" وقد صور بالأبيض والأسود. وتتابان سينها هو أيضاً مخرج فيلم "كابوليولا" "1961" عن قصة الفلا طاغور باللغة الهندية عن تاجر أفغاني أرمل اضطرته الظروف أن يترك ابنته في أفغانستان والسفر إلي الهند. وفي الهند وبدايع اشتياقه الشديد لابنته ينجذب إلي فتاة صغيرة يعطف عليها تعويضا لمشاعره كأب ولكن التقاليد تقف ضد هذه العلاقة وترفض هذا الحب الأبوي. المعالجة العاطفية للعلاقة مشحونة بالمشاعر وكذلك الأغنيات الهندية التي تصور الحنين إلي الوطن وإلي الابنة التي تركها الأب الذي بات معذبا بأشواقه إليها. وتتنوع موضوعات الأفلام وإن توحد مصدرها الأدبي الذي يتميز بالمهارة البالغة في صياغة وترجمة الأفكار وبأسلوب شعري وحساسية إنسانية بالغة. في فيلم "تشار ادهياي" "1997" ومعناه "الفصول الأربعة" المستوحي من رواية لطاغور بنفس الاسم يلقي المخرج كومار شهاني الضوء علي الآثار المدمرة ومظاهر النفاق التي تتبدي في نظام ايدولوجي يتم اتباعه دون تبصر. أحداث الفيلم تدور إبان مرحلة الإرهاب في حركة التحرر الهندي ويتناول قصة "ايلا" التي صارت بمثابة رمز حي للأمة. طاغور سينمائياً وفي العيد السبعين لميلاد طاغور قامت إحدي الشركات الهندية بإنتاج فيلم بعنوان "ناتير بوجا" "1932" مستوحي من قصيدة لطاغور.. ويعتبر الفيلم من الأعمال الهامة في تاريخ السينما الهندية. حيث انها المرة الوحيدة التي يتعامل فيها طاغور بشكل وثيق ومباشر مع فن آخر هو السينما قام ابن شقيق طاغور بكتابة سيناريو الفيلم بتوجيه منه بينما قام بتمثيله بعض الطلبة بمؤسسة سانتيكتان التعليمية الشهيرة التي أسسها طاغور. كما قام طاغور نفسه بأداء أحد الأدوار الهامة في هذا الفيلم الدرامي الاستعراضي وكذلك قام بإخراجه. هذا الفيلم تم تصويره بكاميرا ثابتة في استوديو شركة "نيولتيتر" وتم تصويره في أربعة أيام. ورغم تعرض الفيلم للضياع إلا أنه قد تم العثور علي أجزاء كبيرة منه واستعادتها وسوف تعرض خلال المهرجان. طاغور يتمتع بشخصية متعددة المواهب فقد كان روائيا. وقصاصا وكاتبا مسرحيا وموسيقارا ورساما وفليسوفا وتربويا ومصلحا اجتماعيا وأحد أقطاب الحركة الوطنية وكان منبعا خصبًا تستقي منه السينما الهندية الكثير من موضوعاتها. ورغم أن مشاركته الشخصية في مجال السينما متواضعة فقد كان من أكثر الكتاب علي الإطلاق الذين تمت الاستعانة بأعمالهم لاستخدامها في أعمال سينمائية. والمهرجان الذي يبدأ اليوم مناسبة لإحياء ذكري تراثه في مجال السينما.. ويجدر الإشارة إلي "الكتيب" القيم الذي أعده المركز الثقافي الهندي عن هذه المناسبة الذي اعتمدنا عليه في كثير من المعلومات التي وردت في هذه المقالة وسوف يتم توزيعه علي الجمهور مما يسهل من استقبال الأعمال المعروضة وكلها مترجمة إلي العربية.