شعور دائم ينتابني في صحوي ومنامي.. بأن اشياء كثيرة قد افتقدتها.. وهذا الشعور ينتابني علي الأخص في شهر مارس. الدنيا مسودة والحياة كئيبة وعصيبة وكل ذلك دون مبرر.. اتذكر انني في آخر هذا الشهر دفنت نصفي في التراب ومازال الجزء الباقي يتألم.. صدقوني كانت كل الدنيا اصدقائي.. فقدت أبي وأنا في صباي وأمي وأنا في أول شبابي.. ورغم مرارة الحزن والألم علي فراقهما الا انني لم أشعر بأنني يتيم فقد عوضني الله عن حنان الابوين باخي وتوأم روحي وعشق حياتي ونور عيني- كان هو الجدار الواقي من ضربات الدهر.. هو الظل في الأيام شديدة الحرارة والدفء في أيام الشتاء القارسة كانت عندما تضيق بي الدنيا أذهب اليه اشكو له حالي فتأتيني كلماته كالبلسم الشافي واغادر منزله وكلي طمأنينة وسكينة.. انه يكبرني بعام واحد فقط ورغم ذلك اختصه الله دون غيره بالحكمة وايثار الآخرين علي نفسه.. وايمان فطري لا تصنع فيه ولا غلو.. سافر لنيل الدكتوراة من ألمانيا والنمسا وحصل عليها بامتياز في الأدب المقارن وفقه اللغة الألمانية.. ورغم درجته العلمية الرفيعة لم يتغير.. وظل القرآن دستور حياته والحديث قاعدته التي يستند اليهما.. قوام صوام.. كثير السجود والقيام.. ولان الله يجعل بخيار الناس فقد خطفه الموت فجأة تاركا لي حسرة ومرارة علي فراقه. لقد كان ولا أذكيه علي الله مثل الملاك الطاهر.. والآن ثمان سنوات بالتمام والكمال تمر علي رحيل توأم روحي شقيقي د. عصمت فرج أستاذ الأدب الألماني بجامعة الأزهر.. كان متفرداً في اخلاقه وعلمه وتواضعه وفي حب البشر وهم ايضا بادلوه حباً بحب. كانت قبل ثمان سنوات الابتسامة لا تفارقني واليوم اصبحت عزيزة.. صدقوني منذ رحيله لم ادخل شوارع مدينة نصر الا نادرا والشارع الذي كان يسكن فيه حرمته علي نفسي.. كيف اسير في شارع كان يحمل الخير.. والآن الخير فارقه. شيء غريب لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالي استعجب علي المحبين الذين يتحسسون اماكن أقدام أحبابهم الذين كانوا يعشقون ان ابعد عنها.. اليوم ألتمس العذر للخنساء والمهلل بن أبي ربيعة والبراك الذين رثوا أخواتهم.. اقنعت نفسي وزادت قناعتي انه مسافر وسوف يأت ذات يوم.. انتظر الساعة تدق الواحدة لكي يدق جرس تليفوني كما عودني كل ليلة ليطمئن علي حالي..سألتني ابنتي الصغيرة "7 سنوات" عن أخوتك؟!! اجبتها "عمو عصمت" فقالت لي انا لم أره يا أبي.. فقلت لها: انه مسافر ألمانيا وسوف يرجع ذات يوم.. أمسك صوره واقبلها وخطاباته ومؤلفاته أقرأها أكثر من مرة.. تراني اضحك وبعدها ابكي وكأن الجنون مسني. اتذكر طفولتنا انا وهو وصبانا وشبابنا.. آه من الموت لقد حرمني من نصفي الآخر ولكن عزائي الوحيد انني سوف ألقاه ذات يوم واشكو اليه حالي.. لقد كثرت همومي ولم يكن لي صدر حنون ارتمي فوقه.. لقد اشتقت اليك يا أخي أرجوك انت في مكان طاهر فادعو لي بالصبر علي مصائب وهموم الدنيا وغدر البشر.. أكيد دعوتك مستجابة عند رب العباد. وسبحان الله وبحمده.. عندما خاطب سيدنا موسي ربه قائلا "هارون أخي اشدد به أزري واشركه في أمري" انا محتاج لعصمت أخي.. رحم الله د. عصمت فرج جزاء ما قدم لدينه ووطنه وأهله واصحابه وطلابه ورحم الله ابي وأمي اللذين أهدياني جوهرة مازلت التمس منها الخير والبركة.. ورحم الله كل مسلم ومسلمة شهدوا لله بالوحدانية.