جمعتني الصدفة خلال رحلة الحج هذا العام.. بسيدة في العقد الرابع من العمر.. الانكسار والانطواء و الحياء بشكل ملفت للنظر يبدو علي ملامحها. كلماتها بسيطة. تنطقها بكل دقة وكأنها تتحسن مفرداتها. تعمل ألف حساب لمن حولها. تجلس صامتة وسط بنات جنسها. تتكتم مشاعر تنبيء عن مأساة تعيشها لكنها لا تستطيع الافصاح عنها ولا تريد ان تخبر الآخرين عن أوجاعها. وكأن لسان حالها يردد انما أشكو بثي وحزني إلي الله. حينما اجتمعنا في ركن هاديء بمسجد الكويت في مني.. ثلاثة أخوة من الفلسطينيين وزوجاتهم وأخ مصري يعمل مدرساً للغة الانجليزية في مدينة الطائف. ومعنا هذه السيدة. وخلال جلسة التعارف.. أخذت هذه السيدة تتحدث بلهجة مصرية وتعبر عن شوقها لبلدها حينما أخذت تذكر مقر اقامة أسرتها في مدينة "طموه" بالجيزة. مشاعر انسانية متدفقة بدت علي ملامحها والحنين لمسقط الرأس يمتلك كل وجدانها. أضافت لكنها الآن تقيم في مدينة الطائف. سألتها: وما الذي جاء بك إلي هذا المكان؟ - تزوجت من كهل سعودي يبلغ من العمر 75 عاماً. سافرت معه إلي مقر سكنه بمدينة الطائف وبعد رحلة ذقت خلالها طعم الحلاوة ومرارة الاغتراب. لكنها ارادة الله التي شاءت ان أمضي سنوات شبابي في أحضان هذا الرجل الذي غمرني بحنانه وعطفه رغم كبر سنه وعجزه. رحم الله أبي لقد عقد قراني وأنا بنت السابعة عشر ربيعاً. رحلة أمضيتها رغم عدم معرفتي بما سيخبئه لي القدر. ولقد شاءت إرادة الله أنني لم أرزق بذرية من هذا الرجل رغم انه نصحني بالعرض علي الأطباء اذا أردت الانجاب لكنني زهدت ذلك. ثم بعد رحيله عن الدنيا ذقت الأمرين وعانيت كثيراً إلي ان حصلت علي معاش من الدولة. ورضيت بنصيبي في هذه الحياة وانهت حديثها بحمد الله وسألت ربها ان يعينها علي مواجهة ظروفها الصعبة. بعد كلماتها التي أثارت مشاعري نحو هؤلاء الآباء الذين يزوجون بناتهم للعجائز العرب مقابل ثمن بخس دون تقدير لما سيلحق هؤلاء البنات من نكبات وما يتعرضن له من مخاطر. ودوائر متعددة تتلقي الكثير من هذه المآسي. ليت هؤلاء الاباء يدركون ان المال ليس كل شيء. انهم يلقون بناتهم في عذاب دائم. ولا سامح الله السماسرة وزوجات الأب اللاتي يحرضن الآباء علي ارتكاب هذه الجرائم. حقيقة لقد تركت هذه السيدة والقلب يعتصره الألم ولا أملك سوي الدعوات لها بأن يعينها الله علي هذا المصير المؤلم.