عندما تدوم علاقة ما لأكثر من أربعين سنة. عليك مراجعة الأمر والبحث والتنقيب في سبب استمرارها طوال هذه الفترة وقد تكون الاجابة: "ما كان لله دام واتصل وما كان لغير الله انقطع وانفصم" ويبدو ان العلاقة كانت لوجه الله. أحببت كتاباته منذ أن كنت صغيراً يافعاً وأحببته واحترمته علي المستوي الشخصي والمهني عندما التحقت بقطار الصحافة بوظيفة محرر مترجم في الإجيبشان جازيت كنت أراه ومازلت عملاقاً بمقاييسي الشخصية. فقد عمل في ظل ظروف مهنية كانت العواصف تحيط به من كل جانب إلا انه نجح في الاحتفاظ بتوازنه النفسي بينما ترنح آخرون وسقطوا علي أعتاب ظنوا انها مقدسة. أخذوا يقبلون فيها ولم تتعد الاستفادة سوي التراب الذي غبر جباههم. تعلمت منه الكتابة أطال الله في عمره ولن أطيل عليك انه الأستاذ محمد العزبي الكاتب المتفرغ حالياً في جريدة "الجمهورية" والذي رفض أن ينتقل إلي أي جريدة أخري بعد سن المعاش وظل في "الجمهورية" دون منصب مميز ودون سيارة بسائق ودون مكتب بسكرتارية إلا انه ظل يعطي ويعطي. أعطاني أو أهداني كتابه الأخير "كناسة الصحف" الصادر عن دار الجمهورية. سعدت أيما سعادة بالكتاب وعدت إلي الذاكرة إلي الوراء بعيداً وتوقفت عن بداية معرفتي به ورأيه الشخصي فيّ ووصفه الدائم لي بالمشاغب. الكتاب به الكثير من مقالات أستاذنا محمد العزبي والذي كنا نسعد بإهدائه كتبنا ورواياتنا وعندما كان يكتب مجاملة لإصداراتنا نحن الشباب عندما كنا كانت تنهال المكالمات التليفونية تخبرنا بأن العزبي كتب كذا وكذا عما أصدرنا ويبدو ان العلاقة بين الأستاذ العزبي والأجيال الأصغر سناً هي علاقات محبة خالصة. ليس بها أستاذية زاعقة أو تعال غير مبرر. علاقة أقيمت علي التواضع الجم مع احترام القامات الفعلية ويبدو ان غلاف كتاب "كناسة الصحف" الذي رسمه الزميل سعيد فرماوي. جاء بناء علي رغبة الأستاذ محمد العزبي ليؤكد التواصل بين الأجيال. الكتاب جدير بالقراءة فهو يحوي عُصارة فكر الأستاذ الذي وهب نفسه للكتابة والقراءة وعلم الكثير أن الخير موجود في الأرض طالما بقي الإنسان المحب للخير..