الحمد لله أن الأزمات التي شهدناها في الآونة الأخيرة. سواء في رغيف الخبز أو البوتاجاز أو البنزين لم تصل إلي.. "الفول المدمس" بعد!! فالله سبحانه وتعالي حمي هذا البلد من الانفجار بوجود طبق الفول الذي يمثل غذاء متكاملاً يمنح المصريين القوة ويطعم الأفواه الجائعة ويشبع البطون الخالية. ولم يكن غريباً أن نشهد بعد الثورة ظاهرة انتشار عربات الفول المدمس في كل ركن وفي كل شارع وفي كل ميدان. وعلي الطرق الصحراوية والطرق الزراعية وأمام التجمعات السكنية الفاخرة أيضاً!! كان الانتشار المذهل لعربات الفول المدمس في كل مكان في ربوع مصر يمثل رسالة تذكير لمصر الثورة بأن الشعب لا يأكل إلا الفول. ويريد التغيير إن أمكن بطبق آخر من "الفتة باللحم". أو "بالأسماك". ولكن بعيداً عن أسماك المزارع الملوثة وأسماك الصين المجمدة التي يأكلها الناس ظهراً ليذهبوا إلي المستشفيات ليلاً!! وبعيداً عن المعني والرمز وطبق الفول الذي ندعو الله أن يحفظه لنا دائماً وأن يكون في متناول الجميع. فإننا نتحدث عن انتشار عربات الفول في كل مكان كرمز للعشوائية الجديدة التي تسود المجتمع والتي لا نعرف لها نهاية أو حدوداً.. ففي ميدان الأوبرا. في قلب القاهرة علي سبيل المثال. اتخذت سيارات "السوزوكي" من هذا المكان موقفاً لها. ولم يتردد قائدو هذه السيارات في السير عكس الاتجاه للوصول إلي موقف السيارات.. وجاء عدد من الباعة الجائلين ليفترشو المكان.. وتبعهم بائع "للخس" لم يجد أفضل من هذا المكان ليقوم بتنظيف أوراق الخس وإلقائها في كومة بجواره والتف حوله الناس بالطبع للشراء.. وهو مشهد في كل مكان في مصر. حيث تحولت كل الشوارع إلي أسواق لبيع كل شيء.. الخضار والفاكهة والملابس والسكاكين و"الشوم".. ومعدات النجارة والسباكة. وكل ما يخطر أو لا يخطر علي البال!! ولا يستطيع الأمن أن يتدخل في كل الحالات أو أن يفعل شيئاً. فالناس التي تضج من وجود هؤلاء الباعة في كل مكان هم أنفسهم من سيقف مندداً بتدخل شرطة المرافق لإزالتهم. وسيقول الناس عندها: حرام عليكم.. ده أكل عيشهم. وجايين علي الغلابة وبس!! والناس الذين اشتكوا من وجودهم هم أنفسهم الذين يشجعونهم بالإقبال علي الشراء منهم والتعامل معهم! ولم يكن غريباً أن يتخذ البلطجية من هذه الأسواق العشوائية ستاراً ومبرراً لوجودهم في الشارع ولارتكاب كافة أنواع الجرائم من خطف واغتصاب وسرقة بالإكراه. فوجودهم في الشارع منحهم الفرصة لمراقبة كل شيء والاطمئنان إلي قدرتهم علي الإفلات بجرائمهم! كان حادث الهجوم المسلح علي محطة للمترو مثالاً علي ذلك. حيث كان الباعة الذين افترشوا مداخل المحطة هم أنفسهم الذين تربصوا بالركاب واعتدوا عليهم! والنتيجة أن الشارع المصري كله في خطر.. وأن الفوضي تنتقل إلي بيوتنا وتقترب منهم. وحيث لا خصوصية ولا هدوء ولا أمان.. وأن بناتنا وأخواتنا يتعرضن بهذا الشكل إلي مضايقات من كل نوع دون أن يكون هناك من يقدر علي تقديم الحماية أو منع الخطر. ونحن جميعاً نتحمل المسئولية في هذا الانتشار والامتداد العشوائي للباعة الجائلين. ولمواقف السيارات وللتوك توك وللمقاهي والمطاعم التي احتلت الأرصفة. فبتعاملنا مع كل هؤلاء فإننا نمنحهم القوة والشرعية وباستسلامنا لوجودهم فإننا نعود إلي نفس أسلوب الصمت والخنوع الذي كنا عليه طيلة ثلاثين عاماً لم نحاول خلالها أن يكون لنا صوت وكلمة وإرادة. وإذا كان شعب مصر العظيم هو الذي قام بحماية عرضه وشرفه وممتلكاته إبان ثورة يناير. عندما نظم بطريقة عفوية اللجان الشعبية التي حمت مصر من تحويل الثورة إلي ثورة جياع. وقطاع طرق. فإن هذا الشعب هو الذي يمكنه في كل حي وفي كل منطقة وفي كل محافظة أن ينظم ويوحد جهوده لنظافة وتطهير شوارعه من كل من احتلوها واستولوا عليها وشوهوا البلد كله في مشهد عبثي اختلط فيه الحابل بالنابل.. إن انتظار التدخل الأمني لن يكون حلاً للمشكلة. فإلي أن يعود الأمن ستكون مصر كلها قد ضاعت. وستكون عربات الفول المدمس قد وقفت في مدخل كل بيت.. ومن يرفض أو يعترض فسيكون طعاماً لكلاب الشوارع الضالة! ** ملحوظة أخيرة: مع احترامي للصديق حمدين صباحي المرشح المحتمل للرئاسة. فإن تصريحه الذي يقول فيه: "إنه إذا لم يأت رئيس من الميدان ستعود الثورة إليه.. هو تصريح غريب ومرفوض. ولا يعني إلا فرض الوصاية علي الشعب. وعدم الاعتراف بالديمقراطية أو بالانتخابات!! إن الرئيس المطلوب هو من سيأتي بأغلبية أصوات الشعب. وليس بأغلبية أصوات الميدان فقط. وأصوات الميدان هي جزء من إرادة الشعب. وبدلاً من أن يكون وجودهم في الميدان فقط. فليكن في كل مصر. ليكون لهم صوت وتأثير.