الموسيقي التصويرية احد الفروع الهامة في الفن وبعض ابداعاتها علي مدي التاريخ السينمائي تمثل إضافة للتراث الموسيقي ومع هذا نجدها عنصرا مكملا وليس جوهريا ولكن مع فيلم "الفنان" الأمر أختلف تماما ولهذا وجدنا من الصعب ان نكون صفحة متخصصة في الموسيقي ونتجاهل هذا الفيلم الذي رشح هذا العام لعشر جوائز أوسكار وفاز بخمس منها احسن فيلم واحسن ممثل وأحسن مخرج وأحسن أزياء وأحسن موسيقي والأخيرة هي التي تعنينا لأن الفيلم جاء صامتا فيما عدا بعض اللوحات الارشادية بالانجليزية بدون حوار علي الإطلاق والموسيقي هنا من أهم العناصر في التعبير عن الأحداث.. الفيلم فرنسي أبيض راسود من تأليف وإخراج "ميشيل هازانا فيشيوس" وبطولة "جان ديو جاردان" و"بيرنس بيجو" قصة الفيلم تدور في هوليود بين عامي 1927 و 1932 عن نجم السينما الصامتة فالنتين والذي يتهافت الجمهور عليه في كل مكان نظراً لأفلامه الناجحة ووسط هذا يقف بجانب فنانة ناشئة يعطيها دورا في أحد الأفلام الذي يفاجأ بان المنتج قرر ايقاف الافلام الصامتة رغم رفضه هذا ويري ان الصوت ليس هاما بينما الفتاة التي قدمها في الافلام الناطقة تنجح وتصبح نجمة شهيرة وبعد ذهاب الأضواء عنه وافلاسه تباع اغراضه في المزاد نجد أن هذه النجمة تشتريها دون علمه ثم تدخل حياته لتعيده إلي الفن من جديد ولكنه يرفض فتتوصل لفكرة ان يشتركا معا في رقصة بدون كلام وينجحان ويكتسبان شعبية ويعود للأضواء وينتهي الفيلم نهاية سعيدة .. موسيقي الفيلم الفها الموسيقار الفرنسي "لو دفيك بروس" وهو من مواليدد1970 وله تجارب ناجحة في مجال الموسيقي التصويرية ولكن هذا الفيلم يعد تتويجا لإبداعه وحصل من خلاله علي عدد كبير من الجوائز وليست الأوسكار فقط .. موسيقي الفيلم تم تنفيذها من خلال أوركسترا كامل والمثير للإنتباه انه جعلها تتناسب مع روح العصر التي تدور فيه الأحداث مستخدما التوزيع الأوركسترالي الذي يتناسب مع الزمان الذي تدور فيه الاحداث هذا علي المستوي التقني ولكن علي المستوي التعبير جاء معبرا عن المشهد وبديلا للحوار أي أن اللغة الموسيقية هي السائدة والمعبرة عن المشاهد جميعها .. تعبير موسيقي وعلي سبيل المثال لا الحصر نجد أنه في مشهد البار يتخيل البطل الجمهور معه والموسيقي هنا عبرت عن هذا الحوار بأسلوب مبتكر .. ايضا تصويره لحظة انه يتكلم ولايسمع صوته لأن هناك ضوضاء من حوله وهنا عبر بالموسيقي عن الإنتقال من عالم الصمت إلي عالم الصوت وذلك من خلال لحن تؤديه آلة الهارب والوتريات والفلوت وهي لحظة فارقة في الفيلم ايضا العمل مليء بالألحان الثرية والتي جاءت متنوعة وفقا للأحداث ونجد آلة البيانو تم استخدامها كثيرا سواء في اللحن الرئيسي المميز أو في بعض المشاهد مثل المشهد الذي تعرف فيه علي الفتاة وسط جمهوره ويستمر في كل المشاهد علي التعبير بالأوركسترا الكامل والآلات المنفردة ومن خلال جمل وتيمات لحنية مختلفة ومتنوعة حتي يصل في النهاية إلي اللحن الراقص التي تظهر فيه بوضوح اصوات دقات كعوب الأحذية حيث يرقص الأثنان في دويتو ونسمع صوت المخرج يقول "استوب سوف نعيد المشهد" ويرد عليه الفنان "علي الرحب والسعة" بلغة إنجليزية لكن بلكنة فرنسية دليل علي خروجه لعالم السينما الناطقة وتنزل التترات مع هذه الجملة بالمصاحبة الموسيقية .. استلهام الفيلم يعتمد اعتماداً كبيرا علي الموسيقي فهي لا تعبر عن المشهد الحركي فقط وإنما عن الحوار التي أصبحت بديلة عنه .. ولكن الجميل والذي يمثل إبداعا حقيقيا هو نجاح المؤلف الموسيقي في استلهام موسيقي هذا الزمان في تقديم عمل جديد لدرجة ان الشخص البعيد عن التذوق الموسيقي يظن أنها مقطوعات موسيقية قديمة وذلك لأن الموسيقار مثل المخرج كل منهما أبدع فنا جديدا بنفس الأدوات القديمة صور متحركة بدون صوت ولا ألوان ويوازيها شريط صوت عبارة عن موسيقي علي مستوي متطور من الفكر والإبداع ولكن بالأدوت الموسيقية الخاصة بهذه المرحلة الزمنية الأثنان خدما نفس الفكرة .. الإبداع الموسيقي في هذا الفيلم ليس هناك تعليق عليه إلا ما قاله "فردريك بروس" عقب تسلمه جائزة الأوسكار حين قال :"انه اختبار صعب للموسيقار ان يشارك في فيلم الدور الرئيسي فيه للموسيقي وليس لديه مادة صوتية أخري".. لقد نجح هذا الموسيقار في الاختبار وكل الأمنيات أن يكون لدينا في مصر ما يبدع عملا موسيقيا علي هذا المستوي وان يتاح الفرصة للمؤلفين الموسيقيين المصريين الدارسين للمشاركة في اعمال ذات قيمة فنية عالية ..