نشرت الجريدة الرسمية المصرية في عددها الصادر في شهر سبتمبر 1829 نبأ الاجتماع الذي عقد لأول مرة في يوم 2 سبتمبر من هذه السنة لمجلس الشوري الذي أمر محمد علي باشا الكبير بتشكيله.. وضم هذا المجلس 156 عضواً منهم 32 من كبار الموظفين والعلماء و24 من مأموري الاقاليم و99 من كبار أعيان القطر المصري.. ولما كانت الحالة الاجتماعية للشعب المصري في ذلك الوقت متواضعة من حيث الثقافة والتعليم فقد تم اختيار كل ا لأعضاء بالتعيين وليس بالانتخاب. وجاء في هذا الاجتماع انه تقرر اختيار مائة صبي يتجاوز في عمره 12 عاماً من كل أنحاء القاهرة وبولاق ومصر القديمة وبذلك يكون عدد هؤلاء الصبية ألف صبي وتشغيلهم في المنشآت الحكومية وأصدر قراراً آخر بجمع المتسولين من الشوارع وفي ترتيب تدريب مناسب لهم لكي يتم تشغيلهم في المنشآت الحكومية أيضاً. أما القرار الثالث فهو تشديد العقاب علي الموظفين ومشايخ البلاد اذا ما اختلسوا الأموال العامة أو حصلوا علي رشوة كذلك تقرر ان يرتدي جميع الموظفين ملابس الجهادية!! وكانت سلطة هذا المجلس استشارية وقاصرة علي مسائل الادارة والتعليم والاشغال العمومية وما يقترحه الأعضاء في هذا الخصوص وكذلك الشكاوي التي تصل إليه وينعقد مرة واحدة في السنة ويجوز ان يستمر الانعقاد عدة جلسات. كان ذلك هو أول مجلس نيابي في مصر.. ولكنه لم يستمر طويلاً وقد انتهي ولم يظهر له أثر في معظم عهد محمد علي كما ذكر عبدالرحمن الرافعي في كتابه عن اسماعيل ثم انقضي عهد عباس وسعيد دون ان يجتمع أي مجلس نيابي.. شورة كان أو شوري. وفي سنة 1866 أنشأ الخديويي اسماعيل مجلس شوري النواب ووضع له لائحتين.. الأولي لائحة أساسية والثانية اللائحة النظامية.. واجتمع هذا المجلس ولم يكد له أي سلطة سوي ابداء الرأي فيما يُحوّل إليه من موضوعات. أما أول دستور صدر فقد كان سنة 1879 عندما قامت وزارة شريف باشا في 17 مايو سنة 1879 بوضع أول مشروع لدستور نيابي برلماني كامل.. لتكون مصر هي الدولة الأولي خارج أوروبا التي تعرف الدساتير الديمقراطية وقد ازعج هذا التطور فرنسا وانجلترا والمانيا لأنه ينقل مصر إلي مستوي الدول المتحضرة في أوروبا ولأنه في الوقت نفسه ينقل سلطة اصدار القرار من يد حاكم مطلق يسهل السيطرة عليه وهو الخديوي اسماعيل إلي يد مجلس نيابي كامل يصعب ارغامه علي فعل ما لا يتفق مع مصلحة البلاد. ويقول الدكتور عبدالعظيم رمضان في كتابه أسرار هوجة عرابي ان الخديوي اسماعيل تحالف مع الزعماء الدستوريين بهدف التخلص من الوصايا الأجنبية ولهذا رأت الدول الثلاث ضرورة عزله عن ولاية مصر وتم ذلك بالفعل في 27 يونية سنة 1879 وتولي بعده الخديوي توفيق الذي لم يكن مخلصاً للفكرة الدستورية فقد كان يؤمن بالحكم الفردي.. فلم يكن شريف باشا يعرض علي الخديوي اصدار الدستور وتشكيل مجلس نيابي حتي أمر بوقف كل ما يتعلق بهذا الدستور وهكذا نام مشروع أول دستور نيابي والواقع انه رغم وجود مجالس نيابية سواء في عهد محمد علي باشا أو الخديوي اسماعيل.. الا ان هذه المجالس كانت إما بالتعيين كما حدث في مجلس الشوري أو أن يقتصر حق الانتخاب علي المشايخ الذين اختصوا بانتخاب الاعضاء.. فكانوا ناخبين ومرشحين في نفس الوقت. والواقع أيضاً انه كما فعل محمد علي عندما جمع أطفال الشوارع ودربهم وألحقهم في مجالات العمل المختلفة كان من المفروض ان تفعل مصر هذا الذي فعله الوالي الباشا الكبير منذ أكثر من 183 عاما.. وكما شدد العقاب علي المختلس والمرتشي.. كانت العقوبات التي تطبق اذا طبقت خلال النظام السابق لا تتناسب مع الجرم الذي وقع ولكن بعد ثور 25 يناير تم توجيه التهم عن هذه الجرائم لمعظم رموز النظام السابق الذي لم يتورع عن الحصول علي الرشوة أو اختلاس المال العام. وتمضي حكاية الدستور منذ عام 1879 إلي عام 2012 في البداية قام شريف باشا ومعه نخبة مختارة من المفكرين في وضع أول مشروع لدستور البلاد ولكنه لم ينفذ.. وفي النهاية مازال الجدل دائراً حول من الذي يضع مشروع دستور الثورة.