كنت ومازلت أتمني ان يحاكم مبارك ورجاله محاكمة سياسية علنية يسجلها التاريخ وتظل نموذجا يخشاه أي حاكم ديكتاتور أو أي حاكم يفكر مجرد تفكير أن يكون ديكتاتورياً. ليس مهما ان يعدم مبارك أو يسجن هو وحاشيته فالمحاكمة السياسية في رأيي تهدف إلي ما فعله النظام علي مدار ثلاثين عامًا وما نتج عنه من فساد وظلم وتدمير ونهب لثروات البلاد وما نتج عنه من تدمير للشعب المصري من أطفاله وشبابه وشيوخه ورجاله ونسائه. يجب ان تشمل قائمة الاتهام السياسية كل الافعال والسياسات التي أدت إلي فساد الصحة والتعليم والزراعة والصناعة والاسكان والموارد الطبيعية والسياسة الداخلية والخارجية وانحراف الشرطة والإدارة وتفشي الرشوة والفقر والجهل وانهيار القيم الانسانية والاخلاقية وغيرها من الجرائم التي لا تعد ولا تحصي. اعتقد ان مثل هذه المحاكمة لهذا النظام لن تكون مجرد محاكمة لمعاقبة رموزه علي ما اقترفوه في حق هذا الشعب بقدر كونها إشارة ضمنية واضحة لاخطاء فادحة وقاتلة يجب ان تكون جلية أمام أي نظام قادم وتكون فاشلة أمام عينه حتي لايجرؤ علي تكرارها ويعرف ان الشعب المصري قام بثورته ضد هذا النظام بسبب معاناته من هذه الجرائم وليس بسبب فلل وقصور الرئيس وأبنائه. ما يحاكم مبارك ورجاله عليه الان هو قتل المتظاهرين وبعض من الفساد المالي ليس الا .. ولكن ما يجب المحاكمة عليه هو ما حدث علي مدار ثلاثين عاما من تراكمات كانت هي السبب في اندلاع ثورة يناير وحتي إذا صدر حكم باعدام من يحاكمون الآن فيما سمي بمحاكمة القرن فهل يعني ذلك ان الشعب حاكمهم علي ما اقترفوه من آثام علي مدار هذه العقود. * في رأيي ان محاكمة القرن الحقيقية هي تلك المحاكمة الشاملة التي تتبع كل القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية الكبري التي انتجت ثورة عارمة كان أحد مشاهدها قتل الثوار والمتظاهرين. * لكننا للأسف تركنا السبب ولم نحاكم أحداً عليه وقدمنا الجاني فقط بآخر افعاله الشنيعة وهي رد فعله الدموي العنيف ضد الثورة. * اتصور ان كل ما يحدث أمام محكمة الجنايات وهو متروك بالطبع لهيئة المحكمة وفق الاوراق والقضايا التي امامها.. ومهما كانت النتيجة ومهما كانت الاحكام فلا يجب علينا الآن ان نعلق أو نحمل أي جهة قضائية مالم تحتمله فهي تقيم العدل وفق قضايا محددة وأوراق محددة. * أتصور ان هناك ضرورة لمحاكمة سياسية يتبناها مجلس الشعب وتكون محاكمة القرن الحقيقية ويكفي فيها ان تصل إلي ادانة هذا النظام إدانة حقة واضحة ويكفي ان تكون هذه الادانة مدونة في كتب التاريخ ووصمة عار علي جبين رجال الرحلة.. ونقطة بداية لمصر جديدة حريصة علي عدم تكرار ما حدث وحريصة علي التخلص من كل اخطاء الماضي وإعادة بناء المستقبل علي أسس جديدة وليس مهما ان تصدر أحكام جنائية علي المتهمين لانها لن تكون مهما كانت قوتها مناسبة لجرائمهم.