من أهم المباديء التي حرص الإسلام علي نشرها بين الناس سعيه الدائم علي غرس أسمي الفضائل في قلوب أتباعه من المسلمين. وكلما امتلك المسلم زمام الاخلاق الكريمة والصفات الحميدة كانت محبته تجري في وجدان جيرانه وكل المتعاملين معه. وقد وضعت آيات القرآن الكريم المباديء والأسس أمام الناس جميعاً وفي المقدمة ان الجميع سواسية خلقوا من تراب ثم من زوجين ذكر وأنثي "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثي وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا ان أكرمكم عند الله أتقاكم ان الله عليم خبير" 13 الحجرات فالتقوي الناجمة عن العمل المفيد للفرد والجماعة هو أساس التمايز والتفاضل بين انسان وآخر. لم يعرف الاسلام منذ فجر الدعوة المحمدية سوي أكرم الفضائل ليتحلي بها كل مسلم في مسيرة حياته وتعامله مع الآخرين من المسلمين وغيرهم ورفضها التعالي علي البشر أو السخرية من أي فرد "يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قو م عسي ان يكونوا خيراً منهم ولا نساء من نساء عسي ان يكن خيراً منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالالقاب بئس لاسم الفسوق بعدالايمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون" 11 الحجرات. وقد عنّف رسول الله صلي الله عليه وسلم أبا ذر حين عيَّر صحابيا قائلاً له: يا ابن السوداء" حيث قال سيد الخلق "أعيرته بسواد أمه انك امرؤ فيك جاهلية" يقصد أنك أيها الرجل مازلت تحمل في قلبك ووجدانك الصفات الذميمة التي كانت منتشرة بين الجهلاء قبل ان يشرق نور الاسلام وانه لا يليق بأي انسان ان ينبري للذم والنيل من آخر بصفات سواء كانت تتعلق باللون أو الجنس أو النسب أوأي صفات تحط من شأنه بين الناس مما يؤدي إلي استشراء الحقد والبغضاء والكراهية بين الناس وهما من أهم عوامل تدمير العلاقات بين أبناء المجتمع وبالتالي تكون القطيعة بين الانسان وبني جنسه. والنتيجة انهيار القيم وفتح نوافذ الشر ويترتب علي ذلك تطاول الصغير علي الكبير وعدم تقدير الكبير لمن أصغر منه سنا. وليس أحط من تلك السمات حين تتصدر العلاقات بين الناس. أمام هذه الحقائق بادر أبوذر بالاعتذار صراحة وعلانية للصحابي الذي أساء إليه ولم يجد حرجا في اعلان ذلك أمام الناس جميعاً. ليس هذا فحسب وانما تمني ان يضع رأسه علي الأرض لكي يطأها ذلك الصحابي لكي يعفو عنه إذ قال متمنياً ان يضع الرجل رجله علي خده. وبهذا الاعتذار ارتفع قدر أبي ذر في نظر الصحابة ومن قبلهم سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم. وليت كل انسان يدرك هذه الحقيقة التي تتمثل في ان الاعتذار لايقلل من شأن الانسان المخطيء أيا كان حجم هذا الخطأ. وينشرح صدر من أساء اليه للاعتراف بالخطأ وبهذا الاسلوب تسمو العلاقات بين المجتمعات وينهض الجميع بمهامهم في العمل والتعمير وبناء النهضة الحضارية واعلان القيم الانسانية التي هي أساس رقي الأمم وتقدمها علي غيرها من الأمم. وقد كانت هذه الفضائل وتلك السمات الحميدة هي التي جعلت الاسلام ينتشر بسرعة ويمتد إلي أقصي الدنيا. لان هذه الصفات تتواءم مع جميع بني البشر. وقد كان سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم حريصاً علي تحقيق العدل والمساواة بين كل الناس فها هو صلي الله عليه وسلم قد كان ساهراً طوال الليل ولم ينم لأنه كان متألماً لوقوع عمه العباس أسيراً بين مشركي مكة في أعقاب غزوة بدر. وكان يشتد ألمه عندما يسمع أنين عمه حين قام الجنود المسلمون بشد وثاقه. وفي وقت من هذا الليل انقطع أنين العباس وتألمه. فسأل رسول الله صلي عليه وسلم قائلاً "لا أسمع أنين العباس. فقال أحد أصحابه: لقد خففت وثاقه. تقديراً لرسول الله صلي الله عليه وسلم لكن سيد الخلق في التو واللحظة قال لهذا الصحابي: قم وخفف وثاق كل الاسري. حرصاً منه علي تحقيق المساواة بين جميع الأسري ولم يشأ أن ينال عمه ميزة عن غيره من الأسري. ولكي يعلم الصحابة والناس أجمعون ان العدل والمساواة بين الناس من أجمل الفضائل وتدفع المحبة والمودة إلي القلوب وبالتالي تنحسر نوازع الشر فيما بينهم. انها قيم الاسلام ومبادئه الخالدة أبد الدهر. وحين استقر الرأي علي قبول الفداء من الأسري بادرالرسول عمه بقوله: إفد نفسك يا عباس وابني أخويك عقيل ونوفل ابن الحارث بن عبدالمطلب. وحين قال له العباس: لقد تركتني فقير قريش مابقيت لكن هذه الحيلة لم تنطل علي رسول الله صلي الله عليه وسلم وكانت هناك مفاجأة تمثلت في معجزة لسيد الخلق صلي الله عليه وسلم حين قال للعباس: كيف تكون فقير قريش وقد استودعت بنادق الذهب لدي زوجتك أم الفضل. وذكر له أمارة لتأكيد هذه الحقيقة: حيث قال صلي الله عليه وسلم لقد قلت لأم الفضل قبل مغادرتك مكة للانضمام إلي صفوف المقاتلين ضد المسلمين يوم بدر: ان قتلت فقد تركتك غنية ما بقيت". حين ألقي رسول الله صلي الله عليه وسلم بهذه المفاجأة أمام عمه العباس قال له: أشهد ان الذي تقوله قد كان وما أطلع عليه إلا الله. والله أشهد أنك رسول الله ثم نطق بالشهادتين قائلاً: أشهد ان لا إله إلا الله وانك عبده ورسوله" انها نورانية رسول الله صلي الله عليه وسلم التي اختصه الله بها ولعلها كانت سبباً في اسلام العباس وانصياعه لرأي ابن أخيه في ان ينفذ رأي رسول الله صلي الله عليه وسلم في دفع الفدية لفك الأسري. لقد اكتسب الاسلام الكثير من الانتصارات بفضل هذه الصفات الطيبة التي تحلي بها الصحابة والمسلمون فدانت الأمصار ورحبت بفتوحاتهم البلدان في الشرق والغرب. وكانت نماذج في العمل والمعاملات مع سائر البشر وكانوا مضرب الأمثال ومثاراً للاعجاب والتقدير فهاهم المسلمون من تجار حضرموت قد كانوا السبب الرئيسي في انتشار الاسلام بجنوب شرق آسيا لكريم تعاملاتهم بالامانة وحسن الخلق واحترامهم لبعضهم البعض.وحينما شاهدهم الناس يصلون أخذوا يستفسرون عن هذه الشعائر فأخبروهم بأنها من أهم الأركان التي يجب ان يحرص عليها كل مسلم لأنها أساس كل الفضائل فهي التي تنهي عن كل عمل سييء وتجعل الانسان يقدم علي كل عمل صالح فأقبلوا علي الدخول في الاسلام ولم تمض سوي فترات قصيرة حتي كان الاسلام هو الدين لهذه البلدان في تلك المناطق النائية من قارة آسيا. انها قيم الاسلام التي سوف تظل باذن الله خالدة حتي يرث الله الأرض ومن عليها. دعاء "ربنا أفرغ علينا صبراً وثبت أقدامنا وانصرنا علي القوم الكافرين. ربنا لا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك ولا يرحمنا. ربنا نسألك ان تولي أمورنا خيارنا. وارزقنا التوفيق والسداد في الفكر والقول والعمل. واحفظ بلادنا من كل سوء"