انسحاب د. محمد البرادعي من سباق الانتخابات الرئاسية هو قرار شخصي لا دخل لأحد به.. وكان له كامل الحرية في أن يستمر أو ينسحب.. مع الوضع في الاعتبار أن استمراره لن يضيف جديداً لمصر. وانسحابه لن ينتقص منها شيئاً. لكن.. كنت أود أن يكون المرشح الأمريكي للرئاسة في مصر صادقاً مع نفسه قبل الصدق مع الآخرين ويذكر لنا الأسباب الحقيقية لانسحابه أو ليصمت.. لا أن يسرد حيثيات من وحي خياله ويعلق فشله علي شماعة الغير. مع ذلك.. فإن بيانه الذي أعلن فيه قرار الانسحاب كاف جداً لكشف هذه الأسباب الحقيقية.. بالمنطق وبأرشيف الصحف الموالية له. البيان.. نموذج صارخ للتحريض علي الجيش الذي يتولي قيادة الفترة الانتقالية.. بل وعلي مصر ذاتها.. علي طريقة "لافيها.. لأخفيها"!! قد ينفعل أحد "البرادعية" ويقول انه لم يذكر كلمة الجيش في البيان.. وأرد عليه بأنه ذكر "المجلس العسكري".. وواقعياً وفعلياً ومنطقياً فإن هذا المجلس الذي يضم قادة القوات المسلحة جزء لا يتجزأ من الجيش.. والتحريض عليه تحريض علي الجيش كله وهذا مرفوض. من حقنا أن ننتقد المجلس فهو ليس إلهاً. أو نطالبه بالإسراع في تسليم السلطة لرئيس مدني منتخب.. أو.. أو.. لكن نحرض للخروج عليه لا.. فما بالك إذا صدر التحريض من رجل كان يفكر أو قرر له الآخرون أن يخوض الانتخابات ليكون رئيساً لمصر؟! لقد توقفت امام عدة عبارات ذكرها البرادعي في بيانه: * أولاً.. قال: ان الربان - ويقصد ربان سفينة الثورة وهو الجيش - الذي تولي قيادتها دون اختيار من ركابها ودون خبرة بالقيادة أخذ يتخبط بها بين الأمواج دون بوصلة واضحة ونحن نعرض عليه شتي أنواع المساعدة وهو يأبي إلا أن يمضي في الطريق القديم وكأن ثورة لم تقم وكأن نظاماً لم يسقط!! * ما هذه المغالطة؟.. ألم يختره الشعب لتولي القيادة في استفتاء شهد به القاصي والداني؟!.. وألم يطالبه الليبراليون والمثقفون بل وكثير من الأحزاب والقوي أن يستمر سنتين حتي تستقر الأمور وهو الذي رفض؟! * ماذا تقصد بعبارة "نحن نعرض عليه"؟.. هل هي تفخيم لسيادتك علي طريقة "نحن فاروق الأول"؟.. أم نحن بصيغة الجمع.. بما يعني أنت والبرادعية وأمريكا؟!! وماذا تعني بكأن الثورة لم تقم وكأن نظاماً لم يسقط؟.. أليس هذا تحريضاً صريحاً علي قيام ثورة جديدة ضد الجيش لإسقاطه حتي تقول أن الثورة قامت ونجحت والنظام سقط أو بمعني أصح مصر سقطت؟ ولماذا لم تقل هذا الكلام وأنت تعرض علي الجيش رغبة أمربكا في أن تتولي رئاسة الوزراء خلفاً للدكتور عصام شرف وهو الطلب الذي نشرته صحيفة المصري اليوم الموالية لك وتناقلته المواقع؟!.. ألم يكن نفس الجيش هو من يتولي قيادة ذات السفينة؟.. وهل كنت ستقول نفس الكلام إذا توليت رئاسة الوزراء إرضاء لأمريكا؟!! * ثانياً.. أكد نفس المعني حينما قال: ان العشوائية وسوء إدارة العملية الانتقالية تدفع البلاد بعيداً عن أهداف الثورة مما يشعرنا جميعاً أن النظام لم يسقط!! لماذا ظهرت العشوائية والسياسة الأمنية القمعية الآن.. والآن فقط رغم أنك كنت راضياً بها أو ساكتاً عليها إذا كانت موجودة فعلاً ومستعداً لتكون رئيس وزراء مصر كما رسمت لك أمريكا وتحت قيادة نفس الجيش الذي تحرض هنا ايضا لإسقاطه؟! * ثالثاً.. قال: أكدت ومنذ البداية أن ضميري لن يسمح لي بالترشح للرئاسة أو أي منصب آخر إلا في إطار نظام ديمقراطي حقيقي!! وأين كان ضميرك طوال عام؟.. لماذا صحا وانتبه الآن فقط؟ ولماذا غفا ضميرك وأنت تطلب رئاسة الحكومة؟.. أسئلة مهمة جداً وليتك تجيب عنها بصراحة.. طبعاً بعد استئذان أمريكا!! * رابعاً.. وصل إلي قمة التحريض علي الفوضي عندما قال: انني علي ثقة أن هذا الشعب سيستمر في المطالبة بحقوقه حتي يحصل عليها كاملة وادعو قوي الثورة كلها للعمل مع فئات الشعب كافة لتحقيق هذا الهدف متمسكين دائماً بسلمية الثورة!! هل تطلب من الناس أن يتوقفوا عن العمل والإنتاج ويحتشدوا في الميادين لتصبح مصر فوضي * فوضي؟!.. هل هذا ما تريد؟! * خامساً.. قال: هؤلاء الشباب هم الحلم وهم الأمل ولذلك سأستمر في العمل معهم خلال الفترة القادمة وسط جماهير شعبنا!! اتمني أن تتواصل مع الناس.. ولكن كيف؟.. هل من خلال "تويتر" كما كنت ومازلت تفعل قبل وبعد الثورة؟! أم ستكون موجوداً فعلاً بشحمك ولحمك بينهم؟ وهل هذه أوامر أمريكا الجديدة خاصة قبل عيد الثورة؟.. نحن في الانتظار مع إيماننا بحق التظاهر السلمي. يا دكتور.. أقولها لك ثانية: قرارك شخصي وأنت حرفية.. وتأكد أن أحداً لن يخرج للميادين ويطالبك بالرجوع عنه.. فأنت لست جمال عبدالناصر.. ولن تكون أبداً.