لا اعتقد أن الشعب المصري سيجني ثمار ثورته قريبا وأن ثواره وشبابه أمامهم مراحل أخري من النضال والعمل من أجل تحقيق أهداف الثورة التي لن تتحقق حتي بعد انتخابات مجلسي الشعب والشوري بعد انتخاب رئيس جمهورية وبعد الوصول إلي الاستقرار المأمول. الثورة نجحت كما أكدنا من قبل في إسقاط رأس النظام ولكنها لم تفكك مفاصل النظام ذاته فهي مازالت قوية ومستعصية ومازالت أطرافه ممتدة في كل أنحاء البلاد ومازال رجاله الأوفياء لمصالحهم الذاتية هم الممسكين بمقاليد الأمور ومازالت ثقافتهم في السلب والنهب والسرقة والفساد هي السائدة وستظل كذلك إلي أن يقضي الله بأمره فيهم. لن يستطيع أي نظام قادم مهما كانت قوته ومهما كانت نيته في تطهير البلاد أن ينفذ مهامه بشكل قاطع لأن ثقافة الفساد نفسها متغلغلة في عقول وقلوب الصفوف التالية لرأس الفساد في أي مؤسسة والمسألة أكثر وأشد تعقيدا مما يتخيل البعض فشبكات المصالح التي تدفع إلي الفساد ذاته مازالت قائمة وقادرة علي الحركة بمنتهي الحرية وتحت غطاء قانوني يحميها وتستخدمه بمنتهي الحرفية والذكاء. إن مقاومة الفساد الممنهج والمتأصل بالتطهير مسألة صعبة لأنه سرعان ما يعود وينمو ويكبر في الخفاء والحل الوحيد له هو البتر وهي عملية صعبة لا يستطيع أحد أن يقدم عليها بقوة لأنها قد تسبب آثارا جانبية مخيفة. في رأيي يجب أن تكون الثورة مستمرة لكن بشكل مختلف من أجل تحقيق أهدافها التي لن تتحقق بين يوم وليلة فالعدالة الاجتماعية والحرية لن يحققها مجلس الشعب ولا الحكومة ولا رئيس الجمهورية مالم تكن هناك ثورة نابضة تؤكد علي تصميمها في تحقيق أهدافها وإذا كان الثوار لم ينجحوا لسبب أو لآخر في دخول البرلمان فاعتقد أن وجودهم المنظم خارج البرلمان سيكون له تأثير فاعل وقوي إذا انتقلوا بثورتهم من ثورة في ميادين مصر إلي ثورة في ميادين السياسة والمجتمع. لابد لهم أن يعيدوا تنظيم أنفسهم علي رؤي جديدة ومسار جديد للثورة يتجه بكل قوته نحو الضغط السياسي علي المؤسسات الشرعية القادمة لمواجهة الفساد السياسي والاجتماعي والاقتصادي ووضع خطط واقتراحات ورؤي عملية لتحقيق العدالة الاجتماعية التي كانت من أهم أهداف الثورة بعد الحرية. من المفروض أن ثورة الميادين قد نضجت ويجب أن تتحول إلي ثورة سياسية تلعب فيها الأطراف الفاعلة بأسلوب مختلف يتناسب مع مرحلة إعادة بناء نظام جديد مستندين إلي قوة ثورتهم في الشارع يجب أن تتألف أحزابهم التي كونوها وجمعياتهم الأهلية وغيرها لتكون ضاغطة ومراقبة ومحاورة ومتابعة لكل ما يحدث حتي لا يحيد المجلس الجديد عن أهداف الثورة وحتي لا تحيد الحكومة عن التخلص من الفاسدين في أجهزتها وحتي تتحقق العدالة الاجتماعية.