صحيح تماما ان تيار الاسلام السياسي في الوطن العربي قد مر بمرحلة شديدة الوطأة خلال العقود السابقة التي ساد فيها مفهوم "الدولة القومية" ذات الصبغة العلمانية غالبا حيث ذاقت رموزه وجناح عريض من اتباعه أنواعاً شتي من "التنكيل" وقد كان ذلك "بلاء" مبيناً دون شك ولا ريب. الآن ومع سقوط مشروع الدولة القومية بهذا الشكل الذي رأيناه ونراه في تونس ومصر وليبيا من جانب وإرهاصات سقوط مثيلاتها في دول أخري كاليمن وسوريا وغيرهما ومع تصاعد نجم تيار الاسلام السياسي بالتوازي مع الثورات العربية وتحقيق نتائج ايجابية مع كل الانتخابات التي أجريت حتي الآن بعد هذه الثورات تدخل حركات الاسلام السياسي مرحلة جديدة أعتقد انها ستواجه خلالها نوعا جديدا من "البلاء" ربما يكون أشد وطأة. ويتمثل هذا "البلاء الجديد" في الامتحان الذي تخوضه قوي هذا التيار في الوقت الراهن وهو امتحان يتعلق بقدرتها علي "النجاح" أو "الإخفاق" في تقديم نموذج مختلف لإدارة الدولة أي دولة بشكل يرضي عنه الشعب أي شعب ويحقق طموحات أبنائه علي كافة المستويات. والمؤكد ان هناك فرقا شاسعاً بين "إدارة أو مواجهة" أزمة كتلك الأزمات التي عاني منها أبناء هذه التيارات في ظل الحكومات الديكتاتورية الفاسدة الساقطة أو التي في طريقها للسقوط وبين إدارة دولة ومواجهة التحديات الكثيرة المتلازمة معها أو المتعلقة بها وخاصة إذا كانت "نظرية الحكم" في الاسلام بقيت "ورقية" لأمد طويل كما انها مختلف عليها حتي علي هذا المستوي "الورقي" أو "التنظيري" فضلا عن المستوي "العملي التجريبي" وهو ما يعني ببساطة ان "التجربة" التي تدخلها الآن فصائل التيار الاسلامي السياسي تعتبر جديدة تماما وانها تأتي وسط ظروف صعبة جدا علي المستويات المحلية والاقليمية والدولية وفي وقت قد نفد فيه صبر الشعوب التي لم تعد قادرة علي احتمال "التجريب" فيها لأي فترة جديدة. ولاشك ان ما بعد الربيع العربي يمثل فرصة ذهبية لهذه التيارات حتي تثبت انها جديرة بقيادة الشعوب ولكن المشكلة ان "خبرتها" في هذا المجال متواضعة تماما وهو الأمر الذي أثبتته ولا تزال الأحداث الجارية مما يستلزم الاستعانة والتعاون مع كل الأطياف حتي "الأضداد" للاستفادة من خبراتهم في هذا المجال بانفتاح تام وليس التقوقع والانغلاق والعصبية وادعاء امتلاك الحق كله لمجرد انتسابهم للاسلام الذي يمثل دين الأغلبية من السكان في هذه المنطقة والرغبة في الاستحواذ علي صناعة القرار ومؤسساته المختلفة. الموضوع كبير ومعقد وشائك ولكن مهم وضروري ولازم فهل يدرك قادة وأبناء هذا التيار الفرق بين أن يكونوا طرفا في معادلة "الجلاد والضحية" أو "الحكومة والمعارضة" وبين أن يكونوا طرفا في معادلة أخري هي معادلة "القيادة والشعب" أو "الحاضر والمستقبل" نرجو هذا وسنري كيف يتصرفون مع هذا النوع الجديد من "الابتلاء" الأشد وطأة.