أخيراً.. نجح العرب في أن يسجلوا نصراً سياسياً كبيراً لم يتحقق لهم مثله منذ عام ..1973 وذلك بعد قبول فلسطين دولة كاملة العضوية في المنظمة الدولية للتربية والثقافة والعلوم "اليونسكو".. رغم التهديدات الأمريكية والاسرائيلية والتحفظات الأوروبية. وعندما أعلنت نتيجة التصويت وتبين تأييد 107 دول للطلب الفلسطيني ومعارضة 14 دولة فقط بينما امتنع عن التصويت 52 دولة أصيب المندوب الأمريكي بالذهول بعد أن كان يتنقل بين الوفود مختالاً ومغروراً.. وقال المندوب الاسرائيلي هذه مأساة. لقد منيت الدبلوماسية الأمريكية في هذه المعركة بنكسة كبري.. فقد كانت البعثة الامريكية هي التي تقف علي خط التماس الساخن ضد الطلب الفلسطيني.. وألقت بكامل ثقلها لمنع التصويت لصالح هذا الطلب.. مغدقة الوعود هنا وملوحة بالعصا الغليظة هناك.. وتأكد للوفد الفلسطيني والوفود العربية أنهم يواجهون أمريكا أولاً قبل اسرائيل.. وكانت هذه هي الحقيقة التي يجب إدراكها منذ زمن بعيد. شعرت أمريكا بالعزلة التي كانت تخشي منها.. وأضحت كالفتوة الذي انصرف الناس عنه.. ورأت بأم عينها أن معظم دول العالم اختارت الوقوف مع الحق والعدل. وحصلت دولة فلسطين الناشئة الضعيفة علي 25 صوتا زيادة علي ما هو مطلوب لضمان عضويتها الكاملة في اليونسكو. وبقدر ما كانت الرسالة موجهة إلي الغطرسة الأمريكية الاسرائيلية فانها موجهة أيضا إلي العرب أنفسهم بأنهم قادرون إذا أرادوا وإذا رغبوا في أن يتحركوا معاً بجدية واخلاص.. فالحق الفلسطيني ناطق بنفسه ويريد فقط من يقدمه للعالم دون خوف من الابتزاز الأمريكي الصهيوني.. والعاقبة في النهاية لمن آمن بالحق وصبر وانتصر له.. والدائرة تدور لا محالة علي الضلال. هددت أمريكا بأنها ستسحب تمويلها لليونسكو الذي يصل إلي 80 مليون دولار سنويا ويمثل 22% من ميزانية المنظمة.. وهددت اسرائيل واستراليا بعدم دفع حصتهما في الميزانية بما يؤثر علي أنشطة اليونسكو وفاعليتها.. بل ان نتنياهو هدد صراحة بأن اسرائيل لن تقف مكتوفة الأيدي ازاء هذه الخطوة. ونستطيع أن نفهم سر هذه التهديدات المتوترة إذا ادركنا أن معركة اليونسكو تعد بمثابة "بروفة" لمعركة انضمام فلسطين إلي الأممالمتحدة كدولة كاملة العضوية.. وقد كشفت أن بإمكان فلسطين تأمين موافقة تسع دول من اعضاء مجلس الأمن بما يمثل ثلثي الاعضاء للحصول علي العضوية اذا لم تستخدم أمريكا الفيتو.. اما اذا استخدمته فسيكون في استطاعة فلسطين التوجه إلي الجمعية العامة والحصول علي أصوات الأغلبية الكاسحة. ورغم أن بريطانيا امتنعت رسميا عن التصويت في معركة اليونسكو إلا أن صحيفة "فاينا نشيال تايمز" البريطانية وجهت التحية أمس لليونسكو علي قرارها بقبول فلسطين عضوا دائما فيها.. ومن ثم سوف يكون في مقدورها الدفاع عن تراثها التاريخي والثقافي وعن آثارها. خاصة كنيسة القيامة والمسجد الأقصي. وتصف الصحيفة قرار اليونسكو بأنه قرار شجاع.. لا لأنه يتحدي التهديدات الأمريكية فحسب بل ولأن عضوية فلسطين في اليونسكو ستذكر باستمرار بأن عملية طلب الاعتراف بفلسطين أمام مجلس الأمن الدولي لا يمكن أن تظل إلي الأبد مهددة بالفيتو الامريكي.. وتقول ال"فاينا ينانشيال" ان الكونجرس الذي يهيمن عليه الجمهوريون مصمم علي عدم إلغاء قانون صدر عام 1990 يحجب التمويل أتوماتيكيا عن أية هيئة تمنح الفلسطينيين وضعاً مماثلاً لبقية الدول الأعضاء.. ومع ذلك ففي حالة اليونسكو فان التمويل يمثل أهمية خاصة للسياسة الأمريكية وحجبه لن يكون في مصلحة الولاياتالمتحدة. وتضيف "الصحيفة" ان هناك سببا أكثر إلحاحاً يجب أن يدفع واشنطن لاتخاذ موقف أقل عناداً إزاء مبادرات أبو مازن للحصول علي عضوية المنظمات الدولية.. فالرجل اختار السعي لاقامة الدولة باتباع اساليب اللا عنف ولكن تم اضعافة داخل المعسكر الفلسطيني.. وبالذات بعد نجاح صفقة الأسري بين اسرائيل وحماس.. ولا شك ان تصويت اليونسكو يعطي أبو مازن دفعة قوية هو في أمس الحاجة إليها. وأزيد علي ذلك بأن تصويت اليونسكو يعطي العرب جميعا ثقة في النفس ودعما معنويا هم في أمس الحاجة إليه حاليا.. ليتأكدوا بأنهم قادرون علي الفعل وعلي التحدي.