اشتهرت الإسكندرية علي مر التاريخ بأنها "عروس البحر المتوسط".. والحقيقة أنها لم تكتسب هذه الصفة من فراغ ولكن لكونها تتمتع بجمال رباني.. سبحان من صور.. ولها اطلالة بحرية فريدة بين دول هذا البحر وبها ألوان وأشكال من المقاصد السياحية المتنوعة.. كما كانت تتمتع بنظافة إقليمية وفنون معمارية وحدائق غناء.. وقصور ومتاحف وآثار عبر العصور المختلفة بين فرعونية واغريقية ورومانية ومسيحية وإسلامية وكلها مازالت خالدة شاهدة علي عظمة الإسكندرية المصرية.. كانت الإسكندرية قبل ثورة 23 يوليو 1952.. هي المقر الصيفي للملك والحكومة.. حيث ينتقل الملك وحاشيته ورئيس الوزراء والوزراء إليها ويمارسون الحكم منها.. ولا أدري حقيقة.. هل مازالت الإسكندرية تحمل اسم "عروس البحر" أو انها تراجعت إلي الوراء نتيجة انتشار العشوائيات وارتفاع الأبراج ارتفاعات شاهقة وحجبت رؤية البحر عن كل الناس هذا بخلاف الضجيج المروري والزحام الشديد صيفاً وشتاءً.. بالإضافة إلي التراخي والإهمال في أعمال النظافة.. طبعاً هذا لم يحدث بين يوم وليلة ولكنه تراكمات منذ سنوات. والحقيقة أن المسئولين عن المحافظة يحاولون علاج المشاكل وايجاد حلول للمخالفات والتي يصنعها الناس والتي يستغلون أي ثغرات في القانون فيفعلون ما يحلو لهم من مخالفات.. بين هدم فيلات واقامة ابراج في شوارع عرضها بصعة أمتار قليلة.. والمخالفات والإهمال والتلاعب بالقانون لم يعد قاصراً علي ذلك ولكنه امتد أيضاً إلي بعض الآثار.. وعلي وجه الخصوص ما يحدث في ساحة الممشي عند قلعة قايتباي.. وقبل أن اتحدث عن هذه المخاالفات الشنيعة التي تلقيتها من أحد القراء عبر رسالة الكترونية.. اتحدث عن الأصل التاريخي لهذه القلعة الفريدة والرائعة.. ليس في مصر وحدها ولكن ربما في العالم كله.. تقول الحكاية أن السلطان الأشرف قايتباي الذي تولي سلطنة مصر سنة 1471 ميلادية بناء علي مبايعة من القضاة الأربعة.. عندما أصروا علي مبايعته لأنه كان رافضاً تماماً السلطة وبكي لأنه لم يكن يريدها حقيقة كما ذكر المؤرخون . المهم قام هذا السلطان بعد ست سنوات من حكمه بحركة انشاء وتعمير في أرجاء مصر وحظيت منه الإسكندرية بنصيب كبير من الاهتمام بتحصينها ضد الغارات التي قد تحدث.. فأقام حصناً قوياً منيعاً رائعاً علي "أساس" منارة الإسكندرية الشهيرة وكانت المنارة قد ضُرِّبت في ذلك الوقت ولم يبق منها إلا "الأساس".. وقد أقام قايتباي في الإسكندرية عدة أسابيع مستمتعاً بهذا الحصن القوي.. وببناء هذه القلعة أصبحت الإسكندرية ميناء مصر الرئيسي.. ولها حامية تحميها. المهم أن ساحة قلعة قايتباي.. كانت في الماضي مجرد ممشي للمارة المترجلين.. وعلي الجانبين كان هناك بعض الباعة الجائلين ولكن الذي حدث بعد ذلك أن هذا الممشي أصبح ساحة لسير الخيول.. وكأن المكان قد تحول إلي صحراء الأهرام.. ومع تزاحم الخيول علي المارة.. دخلت الدراجات ساحة السباق.. حيث تنطلق بمختلف أنواعها وسط المارة.. الأمر الذي أثار ويثير الذعر والخوف من الاضطرابات وبالفعل كاد أحد الخيول المارة وسط الممشي ويزاحم المارين أن يصدم شاباً كان يتنزه مع رفاقه.. ولكن الله سلم.. وبالتأكيد مثل هذه المصادمات من الممكن حدوثها.. وعندئذ "نلطم الخدود" كالعادة.. بصراحة اتساءل من الذي سمح باستخدام ممشي مرصوف ومخصص للبشر.. أن تنطلق فيه الخيول أيضاً.. خصوصاً وأن المكان أثري له تاريخ وتم تشييده منذ أكثر من 540 عاماً واستخدم في بنائه كتل من الرخام والجرانيت وبعض انقاض أعمدة الفنار.. كما انه تكلفت الشيء الفلاني وحمي الإسكندرية من غارات بعض المعتدين.. ووقفت صامدة أمام جيوش الانجليز.. ثم يحدث فيها ما يحدث اليوم.. بصراحة انها جريمة كما ذكرت "المساء" في عددها الأربعاء الماضي.. وفي رأيي أنها لا تقل جرماً عن اعتداء بريطانيا عليها سنة 1882.. تري هل كان الأشرف قايتباي يتوقع أن ينطلق هذا السيرك وهذه الفوضي في ساحة قلعته الشهيرة.. اعتد انه من الأفضل تخصيص مكان لاستخدام الخيول لمن يرغب بعيداً عن القلعة.. وإن تخصص مساحة لهواة ركوب الدراجات.. حتي لا تحدث اضطرابات. الواقع أنني أخشي ما اخشاه أن يمتد هذا الأسلوب الفوضوي إلي مناطق أخري.. خاصة أن الإسكندرية غنية بمناطقها وأماكنها الجميلة.. فيها مختلف أنواع السياحة التي تقوم علي الماضي وأيضاً مع الزمن الحديث.. أنها ببساطة تحمل ثقافات عهود كثيرة مضت كانت منارة ثقافية لكل بلاد العالم.. كذلك فهي غنية بالتراث المتنوع.. ولو استعرضنا المزارات السكندرية لوجدناها عديدة.. هناك مثلاً المتحف الروماني اليوناني وقد أقيم في عام 1895 ويحتوي علي قطع فنية رائعة من نحت وفخار وغيرها وتعبر عن تأريخ الإسكندرية منذ القدم.. كما يوجد متحف الإسكندرية القومي الذي افتتح في عام 2003 ويضم نحو ألفي قطعة أثرية تحكي تاريخ الإسكندرية في العصور المختلفة ومتحف ثالث هو متحف الفنون الجميلة الذي يحتوي روائع من النحت والتصوير والخط العربي عبر عصوره المختلفة بخلاف متحف رابع للأحياء المائية الذي تضمن احواضاً للأسماك ونباتات البحار وكل ما هو غريب في دنيا البحر.. كم تضم الإسكندرية عدة حدائق من بينها حدائق قصر انطونيادس الذي اقامه حديقة انطونيادس في القرن التاسع عشر وهو يماثل لحد كبير قصر فرساي بباريس.. وقد اهداه صاحبه إلي محافظ الإسكندرية بعد موته.. كما توجد حدائق قصر المنتزة الشهيرة وقد انشأها الخديو عباس حلمي الثاني ليكون مقراً صيفياً للملوك وقد فتحت ثورة 23 يوليو أبواب القصر والحدائق للجمهور.. بالإضافة إلي ذلك فقد اكتشف الأثريون. أن الإسكندرية عامرة بالآثار الغارقة والتي تبحث عن اقامة متاحف لها تحت الماء أي في موقع غرقها. وقد رأيت في مدينة ملبورن باستراليا مثل هذه المتاحف التي تحت الماء وكانت تضم غرائب المحيطات من الأسماك والأحياء البحرية. والحقيقة أن قلعة قايتباي بما حدث فيها مؤخراً.. يلزم لإزالة الفوضي التي أحاطتها.. أن يتدخل محافظ الإسكندرية الجديد الدكتور عبدالعزيز قنصوه.. وبصراحة سيكون ذلك أول اختبار له.. هذا من القلعة.. وأعود إلي بانيها أي السلطان قايتباي.. وأقول أن هذا الرجل كان مملوكاً واحضره إلي مصر "التاجر محمود" وباعه بمبلغ 50 ديناراً فقط.. وقد قدر له أن يكون من أعظم السلاطين الذين حكموا مصر.