في هذه الأيام المباركة يتوافد الملايين من الحجاج إلي الأراضي الحجازية تلبية لنداء الحق تبارك وتعالي "والله علي الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين" آل عمران: 97. وهؤلاء الوافدون تعطر رحلاتهم نسمات البيت العتيق. ويحدوهم الأمل في الطواف حول الكعبة المشرَّفة والصلاة في مقام إبراهيم وتتردد في صدورهم آيات القرآن الكريم: "إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركاً وهدي للعالمين. فيه آيات بينات مقام إبراهيم ومن دخله كان آمناً" ويقول أهل العلم إن من منَّ الله عليه بالتمتع في مقام إبراهيم أثناء أداء هذه المناسك بإخلاص وتوجه لله تبارك وتعالي يكون آمناً من كل ما يخيفه حتي ولو من عذاب الله. لأن رحمة الله تحيط هؤلاء الحجاج لأنهم تركوا الأهل والديار والأولاد وتوجهوا إلي رب العالمين وفي قلوبهم ويملأ وجدانهم قول الله تعالي: "وأتموا الحج والعمرة لله. فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي ولا تحلقوا رءوسكم حتي يبلغ الهدي محله فمن كان منكم مريضاً أو به أذي من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك فإذا أمنتم فمن تمتع بالعمرة إلي الحج فما استيسر من الهدي فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام واتقوا الله واعلموا أن الله شديد العقاب" ووسط هذه المشاعر المقدسة يلجأ الحجيج إلي أهل العلم يستفسرون عن كيفية أداء هذه الفريضة وطرق أدائها. هل بالأفراد والقرآن والتمتع ولكل ضوابط وشروط. وليكن واضحاً أن تقوي الله بإخلاص هي طوق النجاة من عذاب الله وشدة عقابه. ضيوف الرحمن يدركون أنه في أداء هذه الفريضة تعليمات وضوابط "لا رقت" ولا معاشرة للنساء ولا جدال في الحج بمعني ألا تجادل أخاك حتي تغضبه وقال ابن عباس رضي الله عنه: المراء والملاحاة حتي تغضب أخاك وصاحبك. وعن نافع أن ابن عمر رضي الله عنه كان يقول: الجدال في الحج: السباب والخصومات قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : من قضي نسكه وسلم المسلمون من لسانه ويده غفر له ما تقدم من ذنبه ثم بعد أن بين الحق تبارك وتعالي تلك الضوابط التي يلتزم بها ضيوف الرحمن أوضح أنه لما نهاهم عن إتيان القبح قولاً وفعلاً. حثهم علي فعل الجميل وأخبرهم أنه عالم به وسيجزيهم عليه أوفر الجزاء. حقائق ومعلومات وضعها الحق تبارك وتعالي أمام هؤلاء الحجاج "وتزودوا فإن خير الزاد التقوي" فعن عكرمة أن أناساً كانوا يحجون بغير زاد. فأنزل الله "وتزودوا فإن خير الزاد التقوي" وعن ابن عباس رضي الله عنه قال: كان أهل اليمن يحجون ولا يتزودون ويقولون نحن المتوكلون فأنزل الله: وتزودوا فإن خير الزاد التقوي" إرشاد وتوضيح لهؤلاء الحجيج يحث إنه لما أمرهم بالزاد للسفر في الدنيا أرشدهم إلي زاد الآخرة. وفي رواية استصحاب التقوي كما قال سبحانه "وريشاً ولباس التقوي ذلك خير أي أنه لما ذكر اللباس الحس نبه مرشداً إلي اللباس المعنوي وهو الخشوع والطاعة والتقوي وذلك خير وأنفع وقال مقاتل بن حيان: لما نزلت هذه الآية وتزودوا قام رجل من فقراء المسلمين. فقال يا رسول الله ما نجد ما نتزود به. فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم : تزودوا ما تكف به وجهك عن الناس وخير ما تزودتم به التقوي. رواه الإمام أحمد عن أبي إمامة التميمي. في إطار هذه التعليمات وجه الحق تبارك وتعالي أنظار أولي الألباب قائلاً: فاتقون يا أولي الألباب أي اتقوا عقابي وتكالي وعذابي لمن خالفني ولم يأتمر بأمري. فانتبهوا يا ذوي العقول والأفهام إلي الحقيقة جيداً. ثم أشار الحق تبارك وتعالي إلي ما يجب أن يتحلي به ضيوف الرحمن أثناء الإفاضة من عرفات والمرور بالمشعر الحرام "المزدلفة" أن يكثروا من ذكر الله ثم أشار إلي بعد ذلك إلي الإفاضة من عرفات أي أنه من أراد أن يتعجل في يومين فلا حرج ومن تأخر إلي ثلاثة فلا حرج يقول الحق تبارك وتعالي: "واذكروا الله في أيام معدودات فمن تعجل في يومين فلا إصم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه لمن اتقي واتقوا الله واعلموا أنكم إليه تحشرون" أي أن من تعجل أثناء وجوده بمني في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه. ضيوف يجب أن يتحلي كل منهم بالأخلاق الكريمة خاصة في بيت الله الحرام لأنهم سوف يصادفون بعض ذوي الأخلاق السيئة فليتجاهلوا كل هؤلاء وأن يكونوا علي مستوي المسئولية حتي يظفروا برضا ربهم ويرجعوا إلي ديارهم مغفوراً لهم بإذن الحق تبارك وتعالي وعليهم كذلك أن يكثروا من الاستغفار فقد روي ابن جرير استغفاره صلي الله عليه وسلم لأمته عشية عرفة. وعن شداد ابن أوس قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : سيد الاستغفار أن يقول العبد: اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا علي عهدك ووعدك ما استطعت. أعوذ بك من شر ما صنعت. أبوء لك بنعمتك علي وأبوء بذنبي فاغفر لي. فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت من قالها في ليله فمات في ليلته دخل الجنة ومن قالها في يومه فمات دخل الجنة "أخرجه البخاري وابن مردويه. نسأل الله أن يتقبل من ضيوف الرحمن كل أعمالهم إنه سميع مجيب.