تعتبر التقوي هي الغرض الأساسي والأصلي من العبادات كلها ولو إلتزم الإنسان بدرجة واحدة منها أوصلته للأخري وهكذا حتي يهديه خالقه لكل السبل الموصلة للتقوي وليس سبيلا واحدا لقوله تعالي والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا ولكن لتحقيق التقوي مراحل لابد وأن يقطعها العبد الطائع حتي يصل في النهاية لحقيقة هذه الكلمة في الواقع فيحصل علي السعادة في الدارين. وتبدأ مراحل التقوي كما قال العلماء بالمعاهدة والمراقبة وثم المحاسبة والمعاقبة ولتنتهي بالمجاهدة. وتكون المعاهدة أولا أما م الله بعدم اقتراف الذنوب والمعاصي ثم يرتقي لدرجة أعلي وهي المراقبة لله في حركاته وسكناته فإذا عاهد ربه علي عدم الاقتراب من المحرمات والتزم بذلك خشية لله ارتقي لدرجة الثانية وهي المحاسبة فرغم التزامه مع خالقه وقد يخطئ العبد ويقع في محرم لكن ذلك لا يمنعه من العودة سريعا لخالقه ومحاسبة نفسه علي ذلك لعدم الوقوع في الذنب مرة أخري وربما يعاقبها علي مارتكبه من اثم ليرتقي لمرتبة عليا وهي المعاقبة كلما ارتكب ذنبا فيجاهد نفسه علي عدم الاقتراب من المعاصي والذنوب فعنئذ ارتقي لدرجة المجاهدة التي ورد فيها قولة تعالي والذين جاهدوا فينا لنهديهم سبلنا أي جميع السبل التي توصلهم لتقوي الخالق ورضاه وليس سبيل واحدا. في البداية يوضح الدكتور سالم السكري استاذ التفسير وعلوم القران الكريم بجامعة الأزهر الشريف أن التقوي أم الفضائل وأصل الأخلاق في الإسلام وهي الغاية المرجوة من تشريع العبادات من صلاة وصيام وزكاة وحج فقد جعل الله قبول هذه العبادات جميعا منوطا بالتقوي حيث قال تعالي إنما يتقبل الله من المتقين وأصدق تعبير عن التقوي ما جاء عن أبي بن كعب رضي الله عنه حين سئل عنها فقال للسائل أما سلكت طريق ذا شوك ؟ قال بلي قال فماذا عملت فيه؟ قال شمرت واجتهدت قال فذلك التقوي اذا هي التشمير عن ساعد الجد في الطاعة والعبادة وهي ايضا البعد عن كل ما فيه ضرر للإنسان أو مضرة لغيرة فلا تتحقق التقوي إلا بالبعد أو اجتناب كل ما يؤذي الانسانية وانعدام التقوي من الانسان يؤدي إلي فساده في نفسة وفساده لغيره فالمحروم من التقوي يستبيح لنفسة الكذب والنفاق كما يستبيح لنفسة الافساد في الارض وعمل الشر ولم يقبل النصيحة اذا نصحه غيره بل يتكبر ويتجبر لقولة تعالي واذا قيل له اتقي الله اخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد. ومن علامات التقوي التورع عن الوقوع في الشبهات والحرام لقوله صلي الله عليه وسلم لا يبلغ العبد ان يكون من المتقين حتي يدع ما لابأس به حذرا مما به بأس فكان صلي الله علية وسلم اذا وجد تمرة في الطريق لا يأكل منها خشية ان تكون من مال الصدقة المحرم علي الأنبياء عليهم السلام فروي عن انس رضي الله عنه ان النبي صلي الله علية وسلم مر بتمرة في الطريق فقال لولا أني أخاف أن تكون من تمر الدقة لأكلتها فماذا لو علم رسول الله صلي الله علية وسلم أن هناك آناسا من أمته لا يتورعون عن الإفساد في الأرض وأذي الناس وماذا لو علم صلي الله عليه وسلم أن من أمته من يأكلون أموال اليتامي ظلما ؟ ويؤكد السكري أن الهدف من التقوي إيقاظ الضمائر وجعلها رقيبة علي أصحابها ولهذا أوصي تبارك وتعالي الاولين والاخرين لقوله تعالي ولقد وصينا الذين أتوا الكتاب من قبلكم واياكم ان اتقوا الله. وجعلها خير زاد يتزود بها الانسان في حياته فقال وتزودوا فإن خير الزاد التقوي واتقون يا أولي الالباب. وقد رتب الله عليها الكرامة في الدنيا والاخرة فقال إن أكرمكم عند الله اتقاكم من ثمراتها ايضا من الشدائد والرزق من حيث لا يحتسب. ويضيف الدكتور أشرف فهمي مدير عام المتابعة الفنية بوزارة الأوقاف أن المؤمن يزيد إيمانه كلما زادت تقواه, فالإيمان يزيد بالطاعات, وينقص بالمعاصي فالتقوي مفتاح كل خير و بر لقوله الله تعالي: ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا, كما أنها من أسباب النجاة والفوز في الدنيا الآخرة مصداقا لقوله تعالي: ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه فأولئك هم الفائزون, وقوله أيضا: والعاقبة للمتقين ويحتاج تحقيق التقوي في حياة الإنسان الاجتهاد في طاعة الله( عز وجل) وعبادته, وأن يكون من الذاكرين الله كثيرا والذاكرات, وأن يراقب الله في قوله وعمله, فمن علم أن الله مطلع عليه استحيي من الله أن يراه علي معصيه قال تعالي ألم يعلم بأن الله يري.. حيث قيل ان التقي هو الذي يمشي بين الناس متواضعا هينا لينا, وهو الذي يعلو بأخلاقه, ويتحلي بأجمل الصفات وشمائل الأخلاق, وهو الذي لا يطعم أولاده إلا حلالا, وهو الذي لا يشرب المحرمات, وهو الذي لا يتكلم إلا بالصدق ولا ينطق إلا بالحق, وهو الذي يؤدي فروض الله علي الوجه الصحيح الأكمل, وهو الذي يؤثر الناس علي نفسه, وهو الذي لا يخون ولا يخدع ولا يغش, وهو الذي يساعد المحتاجين, ويقف بجانب المساكين وهو الذي لا يشهد الزور. ويوضح فهمي أنأراد أن يربي إنسانا صالحا أو ابنا بارا, أو يصلح إنسانا, أو ينصح أخا له, فعليه أن يربيه علي الخوف من الله, وليعلمه أن رقابة الله أقوي وأعز من رقابة البشر. كما أن التقوي تجلب معية الله وحبه وتكفر السيئات لقولة تعالي( ان الله مع المتقين). حب الله لقوله تعالي(ان الله يحب المتقين) وقوله تعالي(ومن يتقي الله يكفر عنه سيئاته ويعظم له أجرا) كما أنها أيضا تفريج الكرب والهموم والمشاكل وتزيد الرزق وتدخل الفرح و السرور علي قلب صاحبها لقوله تعالي(ومن يتقي الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب). وقوله تعالي( فمن اتقي وأصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون) لتوصل في الاخرة صاحبها لجنة عرضها السموات والارض اعدت للمتقين.