لابد بداية من التعبير عن بالغ الأسف من عنوان المقال الذي لم نستطع أن نجد عنواناً آخر غيره لتوصيف الحالة التي وصلنا إليها والأوضاع التي أصبحنا عليها..! فقد أصبحنا علي قناعة بأن الهدف هو أن نصل إلي مرحلة من الفوضي غير الخلاقة التي تجعلنا نصل إلي حد كراهية الثورة وأن نندم علي اليوم الذي صفقنا فيه للثوار. وأن نتوجه إلي المركز الطبي العالمي في مليونية تطالب بعودة مبارك للحكم حياً أو ميتاً..! فما هذا الذي يحدث ونراه أمام أعيننا كل يوم.. حوادث واعتداءات وقطع طرق ومظاهرات واحتجاجات فئوية. وتعطيل لحركة المرور. واعتصامات لأمناء وأفراد الشرطة ضد الداخلية. ولواءات خرجوا في حركة التطهير يقودون الهجوم المضاد علي وزارتهم السابقة.. وتراجع اقتصادي مخيف .. ونوع من الشلل يصيب العديد من القطاعات.. وخوف ما بعده خوف من حمامات دم قد تصاحب اجراء الانتخابات البرلمانية. ويتزامن مع كل هذا حالة من الانفلات التي لا مثيل لها بين كل أهالي عموم مصر. وهي حالة تعكس وتقول وتؤكد أن هيبة الدولة قد ضاعت وأن أحداً لا يكترث بقانون أو بسلطة ولا يخاف من عقاب أو مساءلة.. فما هذا الذي حدث قبل يومين في الطريق الزراعي بين مدينتي بنها وقها..! الذي جري هو أنه كانت هناك مشاجرة بين اثنين من أهالي قرية كفر الحصة وأهالي قرية الشموت.. والمشاجرة سقط فيها قتيل... ولأن اخراج الجثة قد تأخر في انتظار التحقيقات فإن الأهالي لم يجدوا مايفعلونه إلا أن يغلقوا الطريق من الاتجاهين من بنها لقها لعدة ساعات. ولم يكتفوا بذلك. بل توجهوا إلي شريط السكك الحديدية وأشعلوا النيران في الكاوتشوك وعطلوا حركة القطارات لمدة ثلاث ساعات..! وهو سلوك لم يعد يمثل خروجاً علي المألوف. فهو نوع من البلطجة الجماعية التي تعني انفلاتاً أخلاقياً وأمنياً. وهي تعني أن قانون الغاب هو السائد في المجتمع حالياً. وأن الحوار الجديد هو حوار الرشاشات..! فالهجوم الذي تم من البلطجية علي الشقق الخالية في مدينة 6 أكتوبر وإحتلالها هو هجوم تم بالرشاشات.. وكل يوم نحن نسمع الآن عن حادث لسرقة سيارة تحت تهديد الرشاشات. والرشاشات تباع في صفقات تدار علي المقاهي كما تباع أقراص الفياجرا..! وتحدث كل هذه الفوضي بينما نحن نتساءل في حيرة كل يوم عن أسباب عدم عودة الأمن حتي الآن رغم كل مانقرأه ونسمعه عن اجتماعات يقوم بها الدكتور عصام شرف رئيس الوزراء وحكومته. ولا هدف لها إلا التشديد علي عودة الأمن وتلبية مطالب الداخلية في تزويدها بالامكانيات التي يمكن أن تعوض بها ماتم حرقه أو تدميره خلال أحداث الثورة! وهو تساؤل لم نجد له إجابة أو أسباباً مقنعة حتي الآن. ولا نعرف سبباً لهذا الفراغ الأمني الواضح والظاهر في كل مكان. وحتي الخلاف القائم بين أمناء الشرطة ووزارة الداخلية لا نجد له أسباباً مقنعة أو منطقية لإستمراره وانتشاره..! ان الناس في حالة من الذهول لما يجري. والناس أصبحت في انتظار كارثة أكبر في أي لحظة ولأي أسباب. والناس التي تسمع عن حوادث الاختطاف المتتالية من أجل الحصول علي فدية أصبحت علي قناعة بأن أشياء غامضة تحدث لا تفسير لها ولا تحليل. وأن هناك أيادي خفية تحرك كل الخيوط لتصل بنا إلي هذه الحالة من الخوف علي هذا البلد ومن التشاؤم بعد أن كنا نطير ونحلم وننتظر ونتوقع أن يأتي الرخاء بعد أن ذهب الفساد ورجالاته. أن الكل في حالة ترقب وانتظار لعبور هذه المرحلة الضبابية التي أضاعت أحلام الثورة وبهجتها. وهي مرحلة إن طالت فهي لا تعني إلا الضياع والتمزق والدخول في نفق مظلم من الصراعات وتصفية الحسابات في وطن لا يحتمل كل هذا الكم من الصراعات والمغامرات وتصفية الحسابات والاكتفاء بملاحقة وكشف الفلول والنبش في الماضي..! دعونا من كل هذا ولنسأل أنفسنا.. وماذا بعد؟ وكيف يمكن أن نعيد الأمن والاستقرار قبل كل شيء.. إنها لم تعد قضية تترك لأحاديث النخبة وتحليلاتهم.. إنها قضية الأغلبية الصامتة التي تبحث عن شارع آمن لا يتم فيه خطف الحقائب والهواتف النقالة وتثبيت الناس... وتبحث عن أمل في أنها ستكون أفضل حالاً مما كانت عليه قبل 25 يناير. فهي لا تشعر إلا بالخوف من أن تتقهقر للخلف بدلاً من أن تسير للأمام.. وهو شعور ما أبغضه..! ** ملحوظة أخيرة : الهجوم علي الإعلام الرسمي والصحف القومية يمثل آخر حلقة في مسلسل إسقاط الدولة المصرية..!