كان طعام الإنسان الأول الثمار والخضراوات فكانت الزائدة الدودية "المصران الأعور" يقوم بدور هام في هضم المواد "السليولوزية" -أي الخشبية- التي تميز الأطعمة النباتية وعندما اتجه إلي الصيد وأكل اللحوم مع اكتشاف النار لتسوية طعامه في هذه المرحلة عاش في الكهوف ورسم علي جدرانها أشكال الحيوانات التي يخرج لصيدها.. وعندما عرف الزراعة وبدأ يبسط سلطانه علي الكائنات المختلفة ويستأنس الحيوان انتقل من مرحلة رسم الحيوانات لتقوية معنوياته عند صيدها "عصر السحر" وأصبح يرسم علي جدران المعابد التي أقامها مع مرحلة العبادات ويسجل كل الأحداث والمشاهد التي يعاصرها وظل الفنان يمارس كل أشكال التعبير لقرب عهده بوحدة العمل الفني التعبيري فنجد أن المعبد هو القطعة الفنية التي كانت تضم بين جنباتها مختلف أشكال التعبير الجمالي.. فعمارة المعبد وزخارفه والرسوم المسجلة عليه والأشكال المنحوتة علي جدرانه والتماثيل المقامة فيه أو حوله ثم الأناشيد والأشعار التي تكون طقوس العبادة بالإضافة إلي الرقصات والتمثيليات التي تقام في المعبد.. كانت كلها من وضع فنان واحد هو الكاهن بالدرجة الأولي. وفي مصر كان الحكيم أمحوتب خلال حكم الملك زوسر هو الفنان والكاهن والطبيب والمعماري الأشهر خلال الدولة القديمة في مصر فهو مصمم الهرم المدرج والمعابد التي حوله.. وهذا الفنان صاحب أهم ثورة كبري في العمارة في التاريخ. لأنه أول من أقام بناء حجري في التاريخ لأنه صاحب فكرة استخدام الأحجار في المباني ومنفذها.. لقد كان كاتبا أيضا وكبير الكهنة.. ولا شك أن هناك كثيرين موهوبون من أمثال أمحوتب في التاريخ الفني والأدبي. وهناك دليل آخر علي وحدة الفنان المبدع لأكثر فن. فقد اكتشفت في الصين مخطوطات ترجع إلي أكثر من خمسة آلاف عام تحوي رسمًا توضيحيًا هو أقدم رسم توضيحي وصل إلينا. ولكن مع مرور الزمن زاد تقسيم العمل حدة. وأصبح لكل فرع من الفنون ممارسوه المتخصصون وهو ما استمر حتي عصرنا الحاضر.. لقد انتهت العلاقة بين الفنون الجميلة المختلفة والعمارة وكان الأدب مثل الشعر والأغاني والتراتيل قد انفصلت عندما انتهت الحضارات التي قامت علي اكتاف العبيد وأصبحت الحضارات الأحدث تقوم علي النظام الإقطاعي أو نظام شبيه به في الشرق عندما يعمل الفلاحون في الأرض مقابل حماية كبار الملاك والفرسان لهم وأصبح الفنانون والشعراء يشكلون طبقة متميزة بموهبتها وأقام العرب أسواق الشعر وراحوا يحفظونه ويرددونه باعتباره أفضل الأشكال الفنية التي كانت تلائم ظروف الجفاف والتصحر التي زحفت علي شبه جزيرة العرب فتحول سكانها إلي الرعي والتجارة والتنقل.