كتبت بالأمس عن المقال الحزين الذي نشره الشاعر اليمني الكبير الدكتور عبدالعزيز المقالح رئيس المجمع العلمي اللغوي في اليمن عن تدهور حالة اللغة العربية في بلده وما تعانيه من تهميش وإقصاء وقلت إنها نفس الحالة السيئة التي يشكو منها مجمع اللغة العربية في مصر وكأننا أمام عملية منظمة لإهانة اللغة القومية وتدميرها بين أهلها وبأيديهم. وقد دعا مجمع اللغة العربية مرارا وتكرارا إلي منع كتابة أسماء المحلات والمتاجر والمؤسسات باللغات الأجنبية ومنع نشر إعلانات في الصحف والتليفزيون والشوارع والميادين بلغة أو حروف أجنبية اللهم إلا إذا كان الإعلان موجها لجهة أجنبية تعمل في مصر أو أجانب يعيشون فيها فيكتب باللغة العربية بحروف كبيرة ويكتب تحته بحروف أجنبية بحجم أصغر. ومن المفارقات أن الإعلانات المنشورة في الصحف أو علي الطرق باللغات الأجنبية ليست موجهة لجهات أجنبية ولا لأشخاص أجانب وإنما موجهة لجهات مصرية وأشخاص مصريين ومعظمها إعلانات عن وظائف شاغرة تطلب موظفين بمواصفات خاصة أو إعلانات عن شقق وفيلات وشاليهات في أماكن فاخرة .. أو إعلانات عن خدمات بنكية وفوائد عالية تتوافر في بنوك أجنبية وفي الغالب تتوجه هذه الإعلانات إلي شرائح اجتماعية مرتبطة ثقافيا واجتماعيا ولغويا بالخارج ومن ثم فإن الإعلان المنشور باللغة الأجنبية صار في الإدراك العام يضفي علي صاحبه والمتعاملين معه مكانة مميزة وهو ما يكرس الانقسام الاجتماعي الحاصل والذي يتبعه مباشرة انقسام ثقافي وانقسام لغوي. وهكذا لم تعد الأسماء الأجنبية للمحلات والإعلانات المنشورة باللغات الأجنبية تعبر عن غربة لغوية فقط وإنما صارت تعبر عن ظاهرة اجتماعية واقتصادية وثقافية.. فهناك شرائح في المجتمع تفضل التعامل بهذه اللغات وتعتبرها النموذج الأمثل والأكثر تحضرا وهذا الوضع يذكرنا بما كان عليه المجتمع من انقسام أيام العثمانيين والاحتلال الإنجليزي عندما كانت الطبقات العليا تتطلع إلي الارتباط بالأجنبي وتتباهي بأن تتحدث لغته وترتدي أزياءه وتتسمي بأسمائه لتكريس التبعية والولاء له . وفي مواجهة هذه الهجمة التغريبية دعا مجمع اللغة العربية إلي القضاء علي التلوث اللغوي القائم الآن والمتمثل في إعلاء شأن اللغات الأجنبية علي لغتنا القومية واللجوء إلي اللهجات العامية المتدنية وطالب بتفعيل القانون الصادر عام 1958 الذي يمنع ويجرم كتابة أسماء المحلات والمتاجر والمنشآت التعليمية والسياحية والتجارية ومرافق الدولة والقطاع الخاص بلغة أو بحروف أجنبية ويفرض كتابتها باللغة العربية. وهناك تيار جديد خطير يتفشي الآن علي صفحات الانترنت حيث يقوم الشبان بكتابة اللغة العربية بحروف لاتينية واستحداث أشكال غريبة للحروف العربية التي ليس لها مثيل في الحروف اللاتينية غير مكترثين بخطورة ما يفعلون. وعلي أي حال فإن قرارات مجمع اللغة العربية لم تعد قادرة علي المواجهة وحدها وإنما نحن بحاجة إلي تيار عام يناصر اللغة ويستشعر خطورة العبث بها ويعمل علي التمكين لها فاللغة العربية في حاجة إلي أن يكون لها صاحب وأن يكون لهذا الصاحب كلمة ونفوذ وقرار.