أصوغ هذا العنوان علي طريقة عالم الدراسات الاجتماعية الراحل الدكتور سيد عويس حين سمي كتابه الذائع الصيت هتاف الصامتين إشارة إلي من لاصوت لهم في ضجة المجتمع الصاخبة, ولادور لهم في تسيير أموره أما هتاف المجمعيين فهو صوتهم الغاضب الداعي إلي الحفاظ علي هيبة اللغة العربية, وإنقاذ المجتمع من التلوث اللغوي الذي يعيش فيه ويمارسه, وإدانة التردي الماثل في لغة الصحافة والإذاعات المسموعة والمرئية, والتصدي بكل قوة وحزم للدعوة المشبوهة لنشر مايسمي باللغة المصرية التي هي في حقيقتها اللهجة العامية في وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية. وقد انطلق هذا الهتاف وهذا الصوت الغاضب في ختام مؤتمر مجمع اللغة العربية الذي شارك فيه المجمعيون العرب من بلدان العالم العربي, وكان موضوعه لهذا العام اللغة العربية في وسائل الإعلام وقد شارك فيه لأول مرة صفوة من الإعلاميين العاملين في المجال, بالإضافة إلي المجمعيين والأكاديميين يتقدمهم الأساتذة صلاح منتصر وكيل المجلس الأعلي للصحافة وعادل نور الدين رئيس معهد الإذاعة والتليفزيون, والخبير الإعلامي عبدالوهاب قتاية, والدكتور محمود خليل أستاذ الصحافة الإلكترونية في كلية الإعلام, واعتذر الأستاذ مكرم محمد أحمد نقيب الصحفيين عن عدم المشاركة بسبب وعكة طارئة. وحظي المؤتمر بمشاركة الأستاذ الدكتور فتحي سرور رئيس مجلس الشعب الذي ألقي المحاضرة الافتتاحية عن اللغة العربية في الدستور المصري, وحق المواطن في تعلم لغته القومية. وهكذا امتلأت جلسات المؤتمر بالحديث عن نشأة الصحافة وما قامت به من جهد في إثراء اللغة العربية, وتطويرها وتيسيرها وجعلها لغة عصرية, وصولا إلي عدد من الظواهر السلبية في الواقع الصحفي الآن والانحرافات اللغوية فيه, فبعض رؤساء التحرير يكتبون مقالاتهم بالعامية والمانشيتات تصاغ بالعامية, وبعضها يصاغ بعربية تملؤها الأخطاء, والإعلانات تتنافس في استخدام العامية, واللغات الأجنبية أيضا. والحديث أيضا عن برامج تدريب العاملين في الإعلام, ومعايير اختيارهم, وحجم الدور الذي تحتله اللغة العربية واللغات الأجنبية في هذه البرامج فيما يسمي بمعهد اللغات, والحديث عن لغة الإذاعة بين الإيجابيات والسلبيات, وعن وسائل الإعلام التي كانت النظرة إليها علي أساس ثنائية الأمل والتحدي كما يقول الدكتور محمود خليل والتي كانت أملا بالنسبة للمواطن العربي في التوعية السياسية فإذا بها المتهم الرئيسي في تزييف الوعي, وكانت أملا في نشر الثقافة العلمية, فإذا بها الساحة الرئيسية لنشر ثقافة الخرافة واللاعقلانية, وأملا في الاهتمام باللغة العربية ونشرها والحفاظ عليها, فإذا بها وسيلة لإفساد الذوق اللغوي للمواطن العربي وتغريبه عن لغة الآباء والأجداد. كما امتلأت جلسات المؤتمر بالحديث عن الفضائيات التليفزيونية التي تتحدث اللغة العربية منذ النشأة حتي علي مستوي اختيار أسمائها, تعبيرا عن موقف من اللغة العربية سيطر علي عقول المسئولين فيها, وتناغما كما قال الدكتور محمود خليل في بحثه الجاد المتميز للمؤتمر مع معطيات عصر العولمة التي جعلت السيادة للغات الأجنبية وبخاصة الإنجليزية, وأصبحت هذه الفضائيات أداة لتفكيك الأمة العربية بالاعتماد علي اللهجات المحلية, فيما تقدمه من برامج أو مسلسلات أو منوعات, بل إن بعض هذه القنوات تستخدم العامية في رواية النشرة الإخبارية للمشاهدين, وقد كانت البرامج الإخبارية تمثل المساحة الوحيدة الملتزمة بالفصحي العصرية علي الخريطة اللغوية للتليفزيون قبل هذا التحول الخطير. ولابد من الإشارة في هذا السياق إلي ستين قناة تليفزيونية دينية تسبح في الفضاء العربي, تقدم في بعض الأحيان خطابا دينيا وعظيا يعتمد علي العامية خلافا للخطاب الديني الإذاعي والصحفي بزعم أن أصحابه يرغبون في التبسيط والوصول برسالتهم إلي المستويات التعليمية والثقافية كافة. ولاشك أن من يتأمل ظاهرة الدعاة الجدد يلاحظ كيف هبط الكثير منهم بمستوي اللغة وبمستوي الدعوة الدينية أيضا. لقد كان هتاف المجمعيين عاليا وغاضبا, وهم يطالبون بتفعيل القانون الصادر عام1958 الذي يمنع ويجرم كتابة أسماء المحال والمتاجر والمنشآت التعليمية والسياحية والتجارية, ومرافق الدولة والقطاع الخاص بلغة أو بحروف أجنبية, ويفرض كتابتها باللغة العربية, فإذا كانت موجهة لجهة أجنبية تعمل في مصر أو أجانب يعيشون فيها, تكتب الأسماء والإعلانات باللغة العربية بحروف كبيرة, وتكتب تحتها بحروف أجنبية بحجم أصغر. فهل يصل هذا الهتاف إلي أسماع المسئولين في الدولة وأعضاء مجلسي الشعب والشوري؟ وفي غمار الاهتمام بقضية اللغة العربية في وسائل الإعلام كان طبيعيا أن يؤكد مؤتمر المجمعيين مناصرته للقدس عاصمة للوطن الفلسطيني, داعيا الي حشد الجهود لمواجهة الهجمة الإسرائيلية الشرسة, الهادفة إلي تغيير هوية القدس العربية, والعبث بالمقدسات الإسلامية, وطمس اللغة العربية في فلسطين بتغيير أسماء المدن والقري الفلسطينية إلي أسماء عبرية, وهي قضية لابد أن تحتشد لها أجهزة الإعلام العربي في معركة الوجود الأخيرة. فمن يصغي الآن لهتاف المجمعيين؟