أعجبني جداً تعبير أطلقه الزميل العزيز أمين محمد أمين مدير تحرير الأهرام واصفاً ليبيا الآن بعد اغتيال القذافي بأنها "صندوق متفجرات" يحتاج إلي خبير لفتحه. هي فعلا صندوق متفجرات ندعو الله من كل قلوبنا أن يتم فتحه بحذر وعناية لإبطال مفعول ما به من مواد ناسفة حتي لا تنفجر وتقضي علي الجميع. انظروا معي إلي ما بداخل الصندوق لتتأكدوا من حجم الخطر: * أولاً.. مجلس انتقالي بلا خبرة يدير دولة تبدأ من الصفر ان لم يكن تحت الصفر.. دولة لا تحمل أي مقومات للدولة فهي بلا رئيس ولا برلمان ولا حكومة بمعني حكومة ولا مجالس محلية ولا مصالح ومؤسسات ولا بنية أساسية بعد أن تم تدميرها بالكامل علي مدي ثمانية شهور. * ثانياً.. دولة علي اتساع مساحتها.. بلا جيش نظامي ولا شرطة مدنية مدربة.. والبديل سيكون وحشا كاسرا.. الفوضي بكل ما تحمل الكلمة والتي قد تصل إلي حد الحرب الأهلية خاصة اذا تم انتهاج سياسة تصفية الحسابات والتخوين. * ثالثا.. اطياف مختلفة ومسلحة يؤمن كل فرد فيها بأن له دورا في الثورة والاطاحة بنظام القذافي.. ومن ثم فمن حقه الحصول علي جزء من التورتة في صورة أموال أو منصب.. وبالتالي فإن هناك احتمالا يصل إلي حد اليقين باندلاع صراع دموي بين هذه الاطياف مثلما هو الحال بعد جميع الثورات. * رابعا.. كم سلاح رهيب بمختلف أنواعه وقوته التدميرية نري بعضه في أيدي الثوار ومن المؤكد انهم سيرفضون تسليمه خاصة في ظل عدم وجود قوات تجبرهم علي ذلك. ومعظمه مازال مختفيا خاصة الصواريخ التي اشتراها القذافي قبيل اندلاع الثورة وهو ما ينذر بعواقب وخيمة. * خامسا.. الناتو والدول الغربية خاصة أمريكا.. وكلها عينها علي البترول الليبي.. فحلف الأطلنطي لم يحارب من أجل سواد عيون الليبيين ولا لأنه يحبهم ويريد تخليصهم من ظلم وجبروت وديكتاتورية القذافي. وأوروبا والأمريكان لم يسعوا لإصدار قرار ضرب ليبيا ولم يساعدوا الثوار تسيليحا ولوجستيا عشقا وهياما في جمال ليبيا والليبيين.. ولكن كان هناك هدفان أساسيان: تصفية القذافي لتدفن معه أسراره معهم ووضع الأيدي علي البترول مثلما حدث بالضبط مع صدام حسين وبترول العراق. * سادساً.. هناك صراع دولي واقليمي سيبدأ ان لم يكن قد بدأ فعلا علي "تورتة الاعمار" فالكل يطمع فيها بقدر دوره ومصالحه.. ومن المؤكد ان الدول الغربية وأمريكا تسعي لأن يكون لها نصيب الأسد في هذه التورتة.. ان لم يكن تطمع في أن تكون هي "الالفة" أو "بابا نويل" الذي سيوزع الهدايا والهبات.. تاجر السعادة. من هنا.. لابد من التعامل مع هذه المواد المتفجرة بعناية وحرص وفكر وإيثار للمصلحة العامة.. مع الابتعاد تماما عن الهوامش التي قد تشغل "فاتح الصندوق" عما بداخله فتغوص أقدامه في هذه الهوامش وينسي ما بين يديه.. فينفجر الصندوق.. ويضيع الكل. يجب علي المجلس الانتقالي أن يستفيد من أخطاء الغير.. أن يسرع الخطي في بناء الدولة ومؤسساتها وألا ينشغل بفلول القذافي أو يعطيهم حجما أكبر من حجمهم حتي لا يجد نفسه بعد شهور أخري في نفس المربع الذي بدأ منه. يجب أن يكون هناك برنامج واضح ومرتب حسب الأولويات لما سيفعله المجلس الانتقالي من الآن.. ولا مانع أبدا من أن يستفيد من تجارب الثورات العربية والعالمية.. فهذا المجلس أو غيره لن يأتي بجديد أو مبتكر في أي مجال من المجالات. علي أعضائه أن ينظروا إلي الجوار وإلي ما وراء البحار والمحيطات.. ليتعلموا ويحذروا وينطلقوا.. والله الموفق.