اختلفت آراء قادة حلف شمال الأطلنطي "الناتو" عقب الإعلان عن مقتل القذافي.. بعضهم قال إن مهمة الحلف في ليبيا انتهت وسوف تبدأ إجراءات الانسحاب فوراً.. والبعض الآخر يقول إن الحلف غير مطمئن وسوف يستمر في دوره حتي نهاية الشهر الحالي. وسوف يكون في مقدور هؤلاء القادة أن يحشدوا أسباباً عديدة تجعلهم غير مطمئنين.. وتبرر بقاءهم في ليبيا لأطول فترة ممكنة.. فاحتياطي النفط الليبي هو الأكبر في أفريقيا كلها.. وهو جائزة مغرية للقوي الكبري المتعطشة للطاقة. في إمكانهم مثلا أن يقولوا إن مقتل القذافي علي النحو الذي تم به يوحي بالفوضي الشاملة وضياع الأمن.. والبلد مكدس بالسلاح ولا وجود فيه لمؤسسات الدولة ومرافقها العامة مخربة.. فلا برلمان ولا دستور ولا أحزاب ولا قانون.. والصراعات القبلية قابلة للاشتعال في أي وقت. ويزيد علي ذلك أنه لا أحد من الوجوه المعروفة الآن في ليبيا محل اتفاق.. والسيطرة علي العاصمة طرابلس تتقاسمها مجموعات من رجال الميليشيات ليست مختلفة فقط في منشئها بل وبعضها يعتنق أيديولوجيات متناقضة. وللأسف فإن هذا كله صحيح.. وهو ما يؤكد أن تحديات ليبيا بعد سقوط القذافي كثيرة ومتشعبة.. لكن التحدي الأكبر سيكون كيفية التحرر من نفوذ حلف الأطلنطي الذي سجل لنفسه دوراً بارزاً في هزيمة نظام القذافي ويطمع في الثمن. من حق الشعب الليبي أن يتطلع إلي بناء نظام حكم عادل وديمقراطي.. وهذه هي المعركة الحقيقية التي ستبدأ الآن.. وهي معركة لن تكون سهلة أبداً في ظل الانقسام الكبير الحادث هناك بين المقاتلين الإسلاميين الذين يرون أنهم الأحق بالسلطة لأنهم الذين حملوا السلاح وتكبدوا الخسائر الهائلة في الأرواح وبين الليبراليين الذين يسيطرون علي المجلس الوطني الانتقالي ويرون أنفسهم الأقدر علي إدارة شئون البلاد داخلياً وخارجيا.. وخصوصا مع الغرب. وفي هذا الإطار تظهر المعضلة التالية : أعضاء المجلس الوطني يواجهون مشكلة أنهم لايحظون بالشعبية ورئيس المجلس نفسه مصطفي عبدالجليل يجد صعوبة في مصالحة ماضيه كوزير للعدل في نظام القذافي.. والثوار الشباب يبحثون عن وجوه جديدة لقيادتهم ولكنهم لم يجدوا بعد. بعض المتشائمين يخشون أن يستغل "الناتو" هذا الفراغ السياسي ليختار حاكما لليبيا نيابة عن الشعب الليبي.. وكلما طالت فترة بقاء الحلف في ليبيا تزايدت التوقعات بهذا الأمر.. ووضعت الأيادي علي القلوب انتظاراً للحظة إعلان البيان الأول للانقلاب العسكري الذي يقوده ضابط مغمور مهووس.. أو الإسراع بتلميع شخصية موالية ومضمونة لتحل محل القذافي. وهل كان القذافي شخصية موالية ومضمونة للغرب في ليبيا؟! إجابة هذا السؤال يفصلها الكاتب البريطاني الشهير والخبير في شئون الشرق الأوسط روبرت فيسك في مقال نشرته صحيفة "اندبندنت" أمس الأول تحت عنوان "لا تلوموا القذافي" يقول فيه : "لانستطيع أن نلوم القذافي لأنه أحس أنه ينتمي لجانب الخير.. أحببناه ثم كرهناه.. ثم أحببناه مرة أخري.. أحبه توني بلير.. ثم كرهناه مرة أخري.. داعبته هيلاري كلينتون عبر البلاك بيري.. ثم عدنا لنكرهه.. أحبته وزارة الخارجية البريطانية يوما بعد انقلابه علي الملك ادريس السنوسي.. ثم احتفظنا به.. ثم كرهناه لأنه أمد الجيش الجمهوري الايرلندي بالأسلحة". ويضيف فيسك : "سيتنفس الغرب الصعداء أنه لن تكون هناك محاكمة للقذافي.. لن تكون هناك خطب بلا نهاية ولا محامون يدافعون عن نظامه.. ألا تكون هناك محاكمة يعني ألا يكون هناك حديث عن تعذيب وقطع أعضاء تناسلية ونقل مشبوهين من الغرب إلي ليبيا.. سوف ننتظر لنعرف كيف مات القذافي ولكن لاتقلقوا فإن هيلاري كلينتون ستكون سعيدة أنه قتل". هل يحتاج الأمر توضيحاً أكثر من ذلك.. فالغرب كان سعيداً بانقلاب القذافي علي الملك السنوسي وأحبه لذلك.. وأحبه لأنه كان بارعاً في تعذيب المشبوهين والمتهمين الذين كانوا يحولون إليه من الغرب أمريكا تحديداً فيما عرف بالحرب علي الإرهاب.. وأحبه حين تخلص من برنامج ليبيا النووي بعد شنق صدام.. وأحبه.. حين دفع أكثر من ملياري دولار تعويضات لوكيربي..وأحبه حين أفقر شعبه وأضعف بلده الغني بالنفط. هل يجري الآن البحث لليبيا عن حاكم جديد بمواصفات القذافي.. أم سيخرج الناتو من ليبيا فعلا ويتركها لأهلها؟! دعونا ننتظر وننتظر..