من أين نبدأ؟! هذا هو السؤال المطروح في كل ميادين مصر ومؤسساتها وقراها وشوارعها ومقاهيها.. فقد عشنا حالة من التخريب المتعمد والتجريف لكل شيء في هذا البلد.. التعليم. الثقافة. الاقتصاد. الأسرة. علي مدي ثلاثين عاما أو أكثر.. ونال التعليم جزءا كبيرا من هذا العمل الإجرامي الذي يصب في مصلحة الأعداء.. ففقدت المدرسة قيمتها العلمية والتربوية. وفقد المدرس احترامه وكرامته. وتحول هذا العمل المقدس إلي تجارة رائجة لأصحاب الأموال. وتم اختراقه من كل الطامعين في نسف هوية مصر وتخريب شعبها وتدمير مستقبلها!! من أين نبدأ؟! هو السؤال نفسه الذي حاولت أن تجيب عليه ندوة موسعة أقامها مركز إعلام السلام. واستضاف فيها قيادات حزب المساواة. ضمن برنامج المركز لاستضافة شتي الأحزاب السياسية لطرح رؤيتها في الخروج من الأزمة الراهنة. وتجاوز حالة الفراغ الحالية.. وكانت رؤية المتحدثين أن الأزمة الراهنة - بعد الثورة أمر طبيعي ومتوقع. وأن مصر ليست في حالة انهيار بعد 25 يناير. بل كانت أحوالها متردية فعلا طوال السنين الماضية. علي كل المستويات. وكانت تعالج حالة التردي هذه بإجراءات أمنية قمعية. في ظل نظام بوليسي لا مثيل له.. وبعد أن تحرر الشعب من خوفه راح يعبر عن مشكلاته المزمنة. ويطالب برسم مستقبل وطنه.. ومن هنا كما يؤكد المتحدثون: هيثم الشوافي وهالة فهمي ودلال فرج مديرة المركز. كانت الوقفات والاعتصامات التي يصفها البعض بأنها "فئوية" ومنها وقفات المعلمين.. وهي عمل مشروع وليس مستهجنا ولا فئويا.. ويمكن لأزمة المعلمين هذه أن تحل لو توافرت الإرادة السياسية. وإذا كانت مشكلات التعليم - بصفته نقطة البداية لبناء مصر - تكمن في التمويل أو المال. فإن وسائل التمويل ممكنة ومتوافرة من عدة مصادر. منها مثلا: الاستغناء عن آلاف المستشارين الذين تكتظ بهم وزارة التربية والتعليم. ويتقاضي الواحد منهم خمسين ألف جنيه شهريا. وقد تزيد.. والتخلص منهم يوفر مئات الملايين من الجنيهات.. والمصدر الثاني للتمويل - كما يري قادة حزب المساواة - أن ترتفع الرسوم المدرسية التي يسددها أولياء الأمور. بما يناسب زيادة دخل المعلم في حدود ثلاثة آلاف جنيه شهريا.. وفي هذه الحالة لابد من تجريم الدروس الخصوصية. ومن يرتكبها!! فتتوافر أموال الدروس الخصوصية هذه لأولياء الأمور. وفي الوقت نفسه تقدم الخدمة التعليمية الجيدة للطالب. مع دورات لتدريب المعلم وتثقيفه. بعد تأمين حياته ماديا. ليرتقي بمستواه العلمي والتربوي. الندوة التي أدارتها دلال فرج وشارك فيها عدد كبير من الأدباء والمثقفين ومنهم أحمد عبده ومحمد عطية ووصفي عبده ووليد محمود وعبدالعال محمد وسعاد عبدالله وأحمد عبدالله وخالد خميس وجمال أحمد وعبدالحكيم عبدون. تحدث فيها هيثم الشواف قال: إن القضية التي تحتاج إلي التفات وحسم هي المناهج.. فمازالت تكتب بصيغة الماضي. ولا ظل للحاضر أو المستقبل فيها. كما أنها تشوه التاريخ طبقا لأغراض الحكام واتجاهاتهم ورغبتهم في تمجيد ذواتهم لا إيراد الحقيقة. وبذا تحولت المناهج التعليمية في مصر إلي وسيلة دعائية. مما يمحو شخصية المعلم. ويجعله مجرد مردد لما يملونه عليه في هذه المناهج.. ولن يتحقق الإنصاف للمعلمين في ظل منظومة اجتماعية فاسدة سياسيا واقتصاديا وإداريا وكل هذه الأوضاع لابد من تغييرها ووصول الثورة إليها. فالثورة لا تقف عند خلع الحاكم فقط. بل ينبغي أن تصل إلي كل مفاصل الدولة وتطهرها. وذكرت هالة فهمي أن "عادل وسعاد" مازالا يلعبان الكرة منذ عام 1970 حتي الآن!! فهذا ما كنا ندرسه. ومازال يدرسه أبناؤنا!! إنه منهج جامد متخلف. ويسير في إطار تدمير العقل المصري. ابتداء من الطفل حتي الأم.. وأعداؤنا يدركون تماما أن التعليم هو الحل لكل المشكلات وهو البداية لانطلاق أي أمة. ولذا عمدوا إلي تخريبه طوال ثلاثين عاما.. نريد إعادة افتتاح مدارس المتميزين ومدارس للعباقرة من التلاميذ. والمدارس المتخصصة التي تكشف مواهب التلميذ مبكرا فتصقلها حتي ينتقل إلي الجامعة والكلية المتخصصة المناسبة لإمكاناته كذلك.. ونريد إرسال المعلمين في بعثات إلي الخارج. وإعادة الثقة والاحترام بين الطالب وأستاذه. تحدث كل من محمد عبدالبديع وأحمد عبدالله وسيد فتحي وحسن عثمان مؤكدين علي أن تربية الطفل والصبي والشاب لا تخضع للتعليم في المدرسة فقط. بل يشارك فيها بدرجة أكبر الإعلام.. والإعلام أفسد صورة المعلم وشوهها. وليس لدينا في مصر نظام تعليمي موحد.. هناك المدارس العامة. والتجريبية. والخاصة. ومدارس المستقبل. وهذا يخالف المساواة والديمقراطية.. لابد من النهوض بكل مدرسة لتصبح كل المدارس عالية الجودة. ومطالب المعلمين لا تقف - في احتجاجاتهم الأخيرة - عند الدخل المادي فقط. بل هي بحث عن الكرامة أولا. وينبغي كذلك أن يحصلوا علي بدل طبيعة عمل وبدل عدوي وأن يجدوا فرصة التواصل مع الطالب.. فكيف يحدث هذا وفي الفصل 90 تلميذا؟! وذكر محمد عيطة وعلاء مبروك وإبراهيم الجندي ومنيرة عبدالحليم وسمير محمد سليمان وعبدالعال محمود وعبدالحكيم عبدون أن الإصلاح التربوي جزء أساسي من عملية إصلاح التعليم. مع تطبيق معايير الجودة في المدارس.. وهذا يحتاج إلي إمكانات مادية.. ولننظر إلي الغد ونحن نفكر لوطننا هذا. ولا نكتفي بكشف السلبيات.. كما أنه من الحتمي الاهتمام بقضية لغتنا القومية. بصفتها عماد الهوية المصرية.. وقد تمت محاربتها وتهميشها طوال السنوات الماضية مع التركيز علي اللغات الأجنبية التي قد تمسخ التلميذ وخاصة أنه يدرسها منذ مرحلة الحضانة.