عقب كل حادث فتنة طائفية يبدي كثير من المواطنين أقباطا ومسلمين دهشتهم ويبدأ كل منهم في تذكر كيف عاش طفولته وشبابه في بيت جاره القبطي وهو مسلم أو العكس دون أن يشعر بغربة أو تفرقة ويذكر آخر انه رضع من أم مسيحية وهو مسلم أو العكس. ويقول ثالث مسلم انه حارب طيلة 10 سنوات مع صديق له في الجيش ولم يعلم انه قبطي إلا بعد الخروج من التجنيد بسنوات في إحدي المناسبات الاجتماعية ويؤكد انه خلال حرب العاشر من رمضان لم يكن يذوق طعم الماء نهارا حفاظا علي مشاعر زملائه من المسلمين الصائمين فكان يشاركهم صيامهم. مثل هذه الأحاديث والمواقف لا تذكر من قبيل الاستهلاك الإعلامي أو كنوع من "الطبطبة" بهدف تهدئة الأوضاع ووأد نار الفتنة بعد وقوع حادث ما ولكنه واقع ربما تتميز به مصر عن سائر بلدان العالم فنحن كشعب متسامح بطبيعته لا يفرق بين طرف وآخر. فنسيج الأمة واحد فعلا ويظهر ذلك في أحلك الظروف والمواقف. وأنا شخصيا لي تجربة مع زميلة مسيحية اسمها "جاكلين سمير" وأذكر انها كانت صاحبة فضل كبير بعد الله سبحانه وتعالي علي تثبيت مسار حياتي علي النحو الذي أتي بي هنا إلي شارع الصحافة بدلا من أن يتحول 180 درجة إلي شرم الشيخ أو الغردقة أو نزلة السمان حيث شوارع السياحة! ففي أول عام دراسي بكلية الألسن اصبت بصدمة من صعوبة المناهج التي تدرس جميعها باللغة الانجليزية "دراما وقصة وشعر وحضارة" ورغم تفوقي في الانجليزية بالثانوية العامة وحصولي علي درجة 47 من 50 إلا انني فوجئت بانجليزي آخر بحق وحقيقي غير الذي درسته في المدارس الحكومية وبدا الفارق واضحا بين مستوي خريجي المدارس الحكومية الغلابة مثل حالاتي وبين زملائنا من خريجي مدارس اللغات وأنا هنا لا أدعو إلي عنصرية من نوع جديد ولكنها محاولة لتهدئة النفوس! المهم انني في منتصف التيرم الأول وبعد أن اتضح لي ان علاقتي بالانجليزية مثل علاقة الدولارات بالليرة علي رأي أحمد مكي في "فيسبوكة" اتخذت قرارا عنيفا بالتحويل من الألسن إلي كلية سياحة وفنادق لولا تدخل جاكلين زميلة الدراسة قسم ألماني ولا تسألني كيف تعرفت عليها وانت في قسم انجليزي فهذه قصة أخري تدخلت وأقنعتني بالبقاء وأعطتني الثقة بنفسي بأنني قادر علي تخطي صعاب شكسبير وديكنز وأورويل ورفاقهم وبعد مشاهدة كليب اسماعيل ياسين وسعاد مكاوي "عايز أروح.. ما تروحشي" قررت البقاء. ومرت سنوات الدراسة الأربع علي خير وتخرجت بتقدير "مقبول قبل ما نرجع في كلامنا"!! إلي عزيزتي جاكلين لا أعرف ماذا أفعل الآن هل أشكرك لأنك وقفت بجواري حتي تخرجت من الألسن التي مهدت لي الطريق لدخول عالم الصحافة تحت شعار "الصيت ولا الغني" أم ألومك لأنك وقفت ضدي في طريق السياحة حيث "الثراء الفاحش" و"النفس الأمارة بالسوء"؟!