بعيدًا عن الملاحظات التي يبديها البعض علي الدورة التاسعة والأربعين لمعرض القاهرة الدولي للكتاب المقامة حاليًا. وبعضها صحيح. فإن المعرض. في مجمله. هذه الدورة حقق نجاحًا كبيرًا. يستحق القائمون عليه أن نشكرهم . وعلي رأسهم د.هيثم الحاج علي رئيس هيئة الكتاب وفريق عمله. لاعمل كبير بلا أخطاء. والمعرض والعمل كبير بكل المقاييس. فهو واحد من أكبر وأعرق معارض الكتب في العالم . وأنت إذا ذهبت إلي أرض المعارض بمدينة نصر. وشاهدت الاقبال الجماهيري علي المعرض . خاصة من الشباب . فسوف تشعر بالبهجة في أيام قلت فيها البهجة أو انعدمت . سوف تشعر بأننا نستطيع إذا وضعنا الثقافة علي أجندتنا ولم نجعلها أمرًا موسميًا . ثم يعود كل شئ إلي وضعه القديم. المعرض ليس مجرد صالات لعرض الكتب والبيع والشراء فقط . صحيح أن هذه مهمة أي معرض. لكن بما أن الجمهور الذي يزور المعرض مهتم أساسًا بأمر الثقافة. فإن الأنشطة الثقافية والفنية التي تقام في المعرض تعطيه ثقلًا وحيوية أكثر . وتقرب المبدعين والمهتمين بالشأن الثقافي من الجمهور وتحدث نوعًا من التواصل الحميم بين المبدع والقارئ. هناك العديد من الندوات الفكرية والأدبية التي شهدها المعرض . بعضها حظي باقبال جماهيري كبير. والبعض الآخر لم يسعده الحظ . وهذا أمر طبيعي. فالجمهور يصبح في حيرة عندما يجد علي مائدة المعرض كل هذه الفعاليات المتنوعة. وفي النهاية لن يستطيع تقطيع نفسه ومتابعتها كلها. حتي المتخصص أو الاعلامي لا يستطيع متابعة كل هذا الكم من الأنشطة. وهذا الكم لم يتم وضعه بشكل عشوائي . فقد راعي التنوع. وراعي كذلك مناقشة القضايا الراهنة . والاحتفال برموز العمل الثقافي الراحلين مثل عبدالرحمن الشرقاوي . شخصية المعرض هذا العام . وسيد حجاب الذي أقيمت قاعة باسمه.ومكاوي سعيد الذي أقيم مخيم الابداع باسمه . وأحمد فؤاد نجم الذي حمل المقهي الثقافي اسمه.فضلا عن الاحتفال بمئوية الزعيم الراحل جمال عبدالناصر . وغير ذلك من ندوات فكرية ودينية وأدبية وفنية . ولك ان تختار ماتريد أو مايلبي حاجتك من هذه الندوة أو تلك. كما كان هناك تنوع في الأجيال والتيارات والاتجاهات . وهذا أمر حسن. ولمن لم يحظ بالمشاركة في هذه الندوة أو تلك . أقول إن الندوات التي عقدت لمناقشة الأعمال الابداعية لشباب الأدباء في مخيم مكاوي سعيد علي سبيل المثال. مثلت فرحة كبيرة لأصحاب هذه الأعمال. فإن تأتي بأديب يقيم في أقصي أقاليم مصر وتناقش روايته أو ديوانه في معرض الكتاب . فهذا يمنحه ثقة أكثر في ابداعه . ويجعله يشعر باهتمام المؤسسة الرسمية به . الاهتمام الذي أرجو ألا يكون موسميًا لأننا في حاجة إلي استمراره. ويؤدي كذلك إلي تعريف القراء والنقاد بأعماله. وقد شاركت في مناقشة أكثر من عمل . وشاهدت الفرحة علي وجوه المبدعين وأسرهم وأصدقائهم. وهذا أيضا أمر حسن . قس علي ذلك ندوات المقهي الثقافي التي احتشدت بالعديد من الفعاليات والمناقشات واستضافت كتابا مصريين وعربًا .في لقاءات مفتوحة ومناقشات ومحاضرات. وصخب جميل. حضرت ندوة للباحث والموسيقي فتحي الخميسي الذي كان يتحدث عن واقع الغناء المصري الآن ويقدم نماذج من التراث الغنائي ويشرح جمالياتها ببساطة للجمهور الذي ظل مشدوها ومشدودا إلي الرجل طوال المحاضرة . كم شابًا استفاد من مثل هذه المحاضرة وغيرها وتغيرت مفاهيمه أو تطورت بعد أن استمع إلي متخصص دارس وواع؟ احتج البعض علي نقل الأمسيات الشعرية من القاعة الرئيسية إلي مخيم خارج القاعة . ورفض الشاعران أحمد عبدالمعطي حجازي وحسن طلب المشاركة في الأمسيات الشعرية . واعتبرا أن في المخيم إهانة للشعراء.ربما يكون المخيم أقل فخامة من القاعة الرئيسية. لكن وجهة نظر القائمين علي المعرض أن الجمهور عادة ماينصرف عن الأمسيات الشعرية التي تقام ليلا في القاعة ولذلك حاولوا تقريب الشعر إلي الناس بإقامة أمسياته في المخيم. وسواء نجحت التجربة أو فشلت فهي في الأول والآخر تجربة قابلة للتعديل . وعن نفسي فقد شاركت كثيرًا في الأمسيات المقامة في القاعة الرئيسية وكنا ننشد الشعر لأنفسنا. وهذا العام اعتذرت عن عدم الحضور أو لم استطع الحضور لظرف طارئ. لكني لم اعتبر إقامة الأمسيات في المخيم إهانة للشعراء كما ذكر بعض المعتذرين. فندوات المقهي الثقافي تقام في مخيم . وكذلك ندوات مناقشة الأعمال الابداعية تقام في مخيم. ولم يعتبر أحد أن في ذلك إهانة للمشاركين فيها. لاعلاقة لي بلجان تنظيم المعرض . ولم أكن يومًا عضوًا فيها. لأنني ليس لدي هذه الطاقة أو القدرة التي لديهم. لذلك أقدر ماقاموا به من جهد في إعداد الندوات والفعاليات . وهو أمر مرهق للغاية .وطبيعي أن يسقط منهم شئ هنا او هناك. فنحن في بلد تعداد سكانه أكثر من مائة مليون. فيهم علي الأقل مليون واحد يكتبون الشعر والرواية والقصة ويمارسون النقد . وبالتالي لايمكن بأي حال من الأحوال إدراجهم جميعًا في فعاليات المعرض.ثم إن المشاركة في ندوات المعرض . سواء بالنقد أو الابداع هم ثقيل.فلماذا نحمل أنفسنا همومًا فوق همومنا.. الأجمل أن يذهب الواحد إلي المعرض في الوقت الذي يناسبه. يشتري كتابًا أو يحضر ندوة وينصرف منها متي يشاء دون أن يتقيد بالحضور حسب الميعاد والانصراف حسب ظروف الندوة إذا كان مشاركًا فيها. بشكل عام فقد أخلص القائمون علي المعرض في عملهم ونجحوا في إقامة معرض مشرف ويليق بالثقافة المصرية.. الثقافة التي تحتاج اهتمامًا أكبر من الدولة وميزانيات أكبر..لأن الانفاق عليها . حتي ونحن في مثل هذا الظرف الاقتصادي الصعب .ليس ترفًا ولكنه ضرورة لو تعلمون.