في عام 1967م انتجت السينما الأمريكية فيلماً بعنوان "أقدم مهنة في التاريخ" "The Oldest Pro Fession" شارك في اخراجه ستة من كبار المخرجين في أوروبا الغربية منهم المخرج الفرنسي الأشهر جان لوك جودار والفرنسي فيليب دي جروكا وشاركت في التمثيل به نجمات شهيرات مثل جان مورو. وآناكارينا. وميشيل مرسييه وغيرهن. العنوان يشير إلي مهنة "الدعارة" "Prostitution" باعتبارها الأقدم بين كل المهن الإنسانية. والفيلم يتابع تاريخ هذه المهنة قبل التاريخ. وفي روما القديمة. وأثناء الثورة الفرنسية وحتي زماننا الحالي في باريس. واختار كل مخرج من الستة حقبة أو فصلاً لدراستها واستعرض مظاهرها من خلال قصة تجمع بين الفاعل والمفعول بها وظروف المرحلة. الفيلم من النوع الكوميدي ويكشف عن أن زبائن هذه المهنة تضم أباطرة ورجال دين وكبار القوم وأصحاب نفوذ وحين عرض الفيلم في القاهرة في أواخر الستينيات تحت عنوان "الحب أقدم مهنة في التاريخ" قامت الدنيا ولم تقعد عندما وصل الأمر لأولي الأمر. وطالب مجلس الشعب وقتئذ بضرورة وقف عرض الفيلم وأخذوا قراراً بذلك وفي نفس الوقت أرجأوا تنفيذ القرار حتي يشاهدوا الفيلم بأنفسهم"!!" حكي هذه الواقعة الكاتب والمؤلف الدرامي سعدالدين وهبة بأسلوبه الساخر الفكيه مما يطويه من معني. ومنذ زمن ليس ببعيد حصدت امرأة إيطالية ممن يمارسن المهنة الأقدم في التاريخ شهرة بالكشف عن أسماء زبائنها عندما اعترض البعض علي ترشيحها لمجلس النواب الإيطالي تحت زعم الحفاظ علي الأخلاق. الآن تعتبر صناعة أفلام أقدم مهنة في التاريخ أقصد الأفلام الإباحية "البورنو" من أكبر صناعات الترفيه.. عشرات الآلاف من الشرائط تنتجها آلاف الاستوديوهات المتخصصة في هذه الصناعة التي تطول النساء والرجال وحتي الأطفال والحيوانات. وأعتي النجوم الأمريكيين بدأوا مشوارهم بالتمثيل في أفلام "البورنو" علي سبيل المثال فقط سلفستر ستالوني. وأرنولد شوارزنجر بطلا كمال الأجسام "!!" والأخير نسيب الرئيس الأمريكي "كيندي". ولا يقتصر عرض الأفلام الاباحية علي شاشات السينما وإنما امتد مع تطور وسائل التواصل إلي شاشات التليفزيون والكابلات الخاصة والمحمول "الذكي" وحتي "الغبي" أيضا. وحسب محرك البحث "جوجل" "فإنه من بين أكثر من ثماني دول في العالم بحثاً عن المواقع الإباحية. هناك ست دول عربية وشرق أوسطية بينهم. وجاءت في المرتبة الأولي باكستان ثم مصر وبعدها إيران والمغرب والسعودية وتركيا. والغريب أن باكستان من أكثر الدول بحثاً عن المقاطع الإباحية التي تتضمن حيوانات مثل الخنازير والقطط""!!". وبسبب القوانين الرقابية التي حاولت الحد من التأثير السلبي لهذه "البضاعة" القديمة جداً عرفت صناعة الترفيه العادية وليست الإباحية الصريحة أساليب التحايل والالتفاف حول هذه القوانين ومع ذلك لا يكاد يوجد فيلم روائي واحد في بلادنا "المتدينة بطبعها" والمحافظة حسب المظهر الكاسح الذي يكسو المشهد العام. لا يكاد يخلو من تلميح مرئي أو لفظي أو صورة صريحة أو موحية من بضاعة الأفلام الإباحية. حتي أن الشاشة الكبيرة تصبح في بعض الأحيان مساحة إعلانات ناطقة عن نساء يصلحن لأقدم مهنة في التاريخ. وتختلف مستويات التناول ما بين الفجاجة الوقحة الغليظة. إلي الأقل وقاحة وخشونة شكلية ولفظية.. لا أشير بالطبع إلي التناول الجمالي الفني للعلاقة بين الرجل والمرأة فهناك العشرات من الأفلام الجميلة التي امتعتنا. ويلعب المكياج الصارخ وطريقة الكلام وطرقعة الضحكات وتذييلها بتنغيم معين مكروراً وعظياً اضافة إلي اقتباس لغة الجسد الخاصة ب"الشواذ"" وأسلوب تصويرهم النمطي الذي يضعهم داخل إطار أصبح محفوظاً. أقول تلعب هذه العناصر ومنذ فترة طويلة علي الوتر الحسي للإثارة للفعل الإباحي واستحضاره في مخيلة المتفرج. ومن خلال افتعال حبكات وحكايات تخصص مساحات للعلاقات المحرمة "المرأة الخائنة. والداعرة" وتأخذ المهنة الأقدم في التاريخ ألواناً وأشكالاً متعددة مستحدثة نوعاً مثل "تبادل الزوجات والعلاقات المثلية بأنواعها. واستخدام الأطفال وحتي الحيوانات" وتمثل الأفلام الضاحكة أو التي تسعي إلي زغزغة المتفرج واجتذابه وإرضاء غرائزه متسعاً لاستخدام المنتجات الفرعية لصناعة الأفلام "الإباحية" مثل النكات اللفظية والافيهات والأصوات الموحية وبالذات في البلاد التي ترتفع فيها نسبة الأمية الثقافية وتهبط الذائقة الفنية إلي الدرك الأسفل. فصبح الايذاء البدني والسخرية من العاهات الخلقية والخلقية كالبدانة المفرطة والهطل السلوكي والتخلف الذهني وبالطبع الهوس الجنسي.. ومؤخراً فتحت مشكلة "التحرش" بابا أمام مشاهد الوقاحة السلوكية واللفظية أكثر سفوراً وتحت زعم معالجة المشكلة يصبح مشروعاً التعبير عنها لا يهم الاسفاف الذي يثير الاشمئزاز أو الضحك حسب تركيبة المتلقي. وهنا أشير إلي مشهد مقزز فعلاً في فيلم "رغدة متوحشة" يجمع بين حمدي الوزير بمظهره المستفز "في الفيلم" وبين رامز جلال المتنكر في صورة امرأة داخل أتوبيس عام. والذي يتحول فيه "رامز" المتنكر إلي "امرأة" متوحشة وذلك في دعوة صريحة إلي مواجهة التحرش بالعنف الوحشي ويكون هذا المشهد فاتحة خير لصاحب شركة الإعلانات. الوجه الآخر للتحرش ورامز جلال كما يعرفه القاريء والمشاهد يروج ويكرس من خلال البرامج والمسلسلات وحتي الأفلام التي ظهر فيها مؤخراً لموضوع "التحرش" وأعني للعدوانية المفرطة ومن دون رادع قانوني علي غزيرة "الخوف" وذلك من خلال الهجوم المفاجيء لإحدي قوي الشر وليكن هو أو أيا كانت علي إنسان مسالم. الأمر الذي يفجر الضحك بالنسبة للمشاهد الآمن المبتهج بهذا النزوع العدواني الشرير. وبطبيعة الحال يحقق العمل نسبة مشاهدة عالية يتم استغلالها وتكرارها في السينما. وفي مقابل ما يتعرض له النجم أو النجمة يتقاضي الضيوف مبالغ كبيرة تدفعها شركات الانتاج راضية مرضية من دون النظر إلي التأثير المتبقي بعد زوال الترفيه اللحظي للحلقة. ما هو الفارق بين التحرش الجنسي السافر وبين التحرش الشرير باشاعة الخوف المفاجيء؟! الاثنان يمثلان غرائز أولية عند الحيوان والإنسان علي حد سواء "الجنسي/ الخوف" والفارق الذي يضع حداً بين إنسانية الإنسان وغرائزه الحيوانية هو مقدار تعليمه وثقافته وانعكاس ذلك في سلوكه وذائقته الفنية. وسط مراهقين في فيلم "رغدة متوحشة" آخر أفلام الممثل الناجح رامز جلال جلست أشاهد الفيلم وسط مجموعة من المراهقين من طلبة المدارس الذين كانوا بلا مبالغة هم كل الجالسين في الصالة وكان وجودي أشبه بالجسد الغريب ولكنه حتمي بحكم المهنة وبحكم الفشل الذي أصاب باقي الأفلام المعروضة في نفس المكان إذا لم يحضر متفرجون يبررون عرض الفيلم مع أن المطلوب تذكرتين أو ثلاثة. فيلم رامز جلال هو الوحيد المتاح أمامي وبرغم أن التذكرة بخمسين جنيه "50 جنيهاً" حضر العدد الذي يملأ عدة صفوف داخل القاعة الجميع "ذكور". الاناث فقط بنتان محجبتان. وللموضوعية لاحظت أن التفاعل مع الفيلم لم يكن غائباً وحركات رامز بدءاً من البداية "المرعبة" المصطنعة" التي استهل بها الفيلم وحتي باقي "الحيل" التي جعلته يؤدي دور امرأة طمعاً في الحصول علي دور كممثل إعلانات إلي آخر القصة الرومانسية. ما الفارق بين ابتهاج "الطلبة" بحركات "رامز" "الفكاهية" وبين حركات محمد رمضان باستخدام السنج والسكاكين وقرون الغزال؟!! ولم تقتصر الفكاهة علي "رامز" باقنعته وباروكاته وصوته الحريمي ومشاعره المتضاربة في دوره كأنثي وحقيقته كرجل يقع في غرام مديرة الانتاج "ريهام حجاج" وهو تضارب كان يمكن استثماره في معالجة أكثر اتقاناً وفنية تمنح للهزل ثقلاً موضوعياً. سيناريو "لؤي السيد" في رابع تعاون مع رامز جلال يجعله ترزي يعمل علي قماشة محدودة وعليه أن يطبع عليها ما "يرضي" نجم المقالب. ولكن لماذا "وجع الدماغ" في فيلم "تفصيل" وزبونه جاهز؟؟! إن الضحك من أجل الضحك وبكل الوسائل المضمونة ونفس الكوميديان الطائش. بضاعة مثلها مثل الأفلام الإباحية. اتذكر هنا الفيلم الأول للمخرج "محمود كريم" "ياباني أصلي" واستحضر رد فعلي الايجابي إزاءه وما تمنيته لصاحب العمل وقتنئذ ولكن فيلمه الثاني يشير إلي "المفرمة" التي تطحن كل المكونات لعمل "عجينة" سينمائية يستسيغها الزبون.. والزبون هنا فئة المراهقين وزبائن الترفيه السهل السريع أيا كانت آثاره الجانبية. إن صناعة الترفيه الدارج بانفصاله التام عن حركة المجتمع وقضاياه وما يدور في أركان العالم والإنسان. مؤكد أنها تمثل المعادل الموضوعي لثقافة "إرضاع الكبير" و"زواج القاصرات" و"الأنثي طالما تطيق"... إلخ الفتاوي أي الجنس في أكثر من صوره ضعة والجهل بما له من آثار مدمرة علي المجتمع والغياب المطلق عن طبيعة العصر المتسارع جداً تكنولوجياً وحضارياً وأيضا الطرد الذاتي من السياق المحترم لسيرورة الفن السينمائي الجميل. وبعيداً عن المراهقة هل هناك دليل علي ذلك أكثر من الاقبال علي نوعية الأفلام الطامسة لحركة التفكير والتنوير الوجداني والعقلي. ودفع "خمسين جنيهاً" مقابل فيلم هزلي يمعن في الاحتفال بالهيافة والتغييب للمنطق ولملكة التفكير؟ "رغدة متوحشة" التي افتعلها المؤلف والتي تقع في الحب. وتنجح في ايهام صاحب شركة الإعلانات تذكر بحيلة قديمة استخدمتها السينما مراراً وتكراراً عبر استخدام الأقنعة ومهارات التقمص في نمر الترفيه الهزلية الاستهلاكية في خيم الموالد وفي عروض الشرائط القصيرة القديمة منذ بدايات تحريك الصورة أي اختراع السينما. ومهارات الممثل الخارجية. أي المعتمدة علي الحركات وخفة الأداء والقبول المسبق لفنان المقالب الأقرب إلي الاراجوز تتصدي لعنصر المصداقية وتضع شروطاً لعملية الفرجة أهمها إلغاء ملكة التفكير وتحول المتفرج إلي مستقبل "سلبي" لشريط الصور يضحك علي نحو ميكانيكي أمام مشهد "التحرش" أو "التخويف" وتجعله يستقبل برضاء تام حمولة الهزل والتعبير المتكرر البعيد عن التجديد فما بالك بعنصر "الابتكار" الذي قتلته السينما التجارية إلا قليلاً تحت مصنف فني اسمه "الكوميديا".