معروف أن السياسة هي فن الممكن ويقولون. في السياسة أيضا إن الغاية تبرر الوسيلة. فما هو الممكن في قرار ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل. وما هي الغاية من نقل السفارة الامريكية إلي القدس؟ ثم هل يجب ان تكسب من القرار السياسي لكي تقوم باتخاذه. أم أن للسياسة حسابات أخري بعيدة عن حسابات المكسب والخسارة؟ في بعض الاحيان لا يكون للمكسب أو الخسارة وزن في اتخاذ القرار السياسي. فالمهم طبقا لقواعد اللعبة السياسية. أن تظل مستمرا كطرف مهم في اللعبة سواء ربحت او خسرت. خذ عندك مثلا الرئيس اليمني علي عبدالله صالح. وقبله الرئيس الليبي معمر القذافي. اللذين لم يحاولا التوصل إلي اتفاق للتخلي عن السلطة في وقت مبكر من الازمة في بلديهما. وإنما ظل كلاهما يقاتل ويهرب من مخبأ لآخر ومن مكان إلي مكان حتي مات مقتولا. والمعني أن كلا منهما ظل متمسكا بالسلطة حتي الرمق الاخير. ورفض الخروج من اللعبة إلا مقتولا. والحقيقة أنني لم أضرب هذا المثل للإيحاء بأن مصير الرئيس الأمريكي ترامب سيكون مشابها. وإنما للتدليل علي ان حسابات الساسة والسياسة تختلف كثيرا عن حساباتنا كأشخاص عاديين ولهذا سمعنا من يصف القذافي بأنه "مجنون" أو يصف ترامب بالرعونة وغير ذلك. نعود إلي التساؤل: ما هو الممكن في قرار ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل؟ وما هي الغاية من نقل السفارة الامريكية إلي القدس؟ لقد بدأ الرئيس الامريكي إلقاء بيانه في البيت الابيض بقوله: "لقد قررت أن الوقت قد حان للاعتراف رسميا بالقدس عاصمة لإسرائيل". والسؤال: ما الجديد الذي جعل "الوقت قد حان"؟ الإجابة بالطبع تشتمل علي أبعاد متعددة لعل في مقدمتها أن العالم العربي يعاني حاليا من حالة تمزق وتفتت وتشرذم لم يسبق لها مثيل في تاريخنا المعاصر وهذا التمزق والتشرذم والتفتت قائم بين العرب كدول. وبين أبناء كل دولة علي حدة. ودون الدخول في تفاصيل أو شرح فالأمور واضحة سواء بالنسبة للمختصين بالشئون السياسية أو بالنسبة للمواطن العادي والتصدعات والشروخ في البنيان العربي إن كان هناك بنيان أكبر من أن تخطئها عين! فأي وقت سيحين أمام صانع القرار الأمريكي أفضل من هذا الوقت. وأية حالة من التردي والانحطاط سيصل إليها العرب أكثر من ذلك؟ في الوقت نفسه نجد الساحة العالمية والاقليمية. مهيأة أمام الولاياتالمتحدة لاتخاذ مثل هذا القرار ويكفي ما نشهده من فوضي تشمل المنطقة من مشرقها إلي مغربها. وتسود العالم من أقصاه إلي أقصاه. ولربما كان اعتراف ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل في هذا التوقيت بالذات. وإثارة هذه الزوبعة العالمية وما سيصاحبها من ضجة داخل الولاياتالمتحدة وخارجها. هدفه التغطية علي خيبة الرئيس الأمريكي وعجزه في مواجهة صواريخ كوريا الشمالية وبرنامجها النووي. بعد ان ملأ الدنيا صياحا وضجيجا بأنه سيعاقبها ومع ذلك لا تزال الدولة "الراعية للإرهاب" حسب توصيف ترامب. مستمرة في تطوير برامجها النووية والصاروخية! يتزامن مع الملابسات أن استطلاعات الرأي تشير إلي تردي شعبية ترامب لأدني مستوي في تاريخ الرؤساء الامريكيين لهذا يسعي ترامب إلي استعادة شعبيته الضائعة ولا شك أن إقدام الرئيس الأمريكي علي اتخاذ قرار نقل السفارة يهدف. من بين ما يهدف. إلي استرضاء اللوبي اليهودي في امريكا وغني عن البيان ما يملكه هذا اللوبي من امبراطورية اعلامية. وأذرع سياسية واجتماعية واقتصادية. يمكنها ان ترفع مكانة من تشاء وتخسف الأرض بمن تشاء في الولاياتالمتحدة! وحتي لو كان قرار ترامب هو "اعتراف بالواقع". حسب تعبيره.. فإن وراءه أهدافا ومصالح منظورة وغير منظورة ويحضرني تعبير شهير للرئيس الاسبق حسني مبارك. حول القضية الفلسطينية. عندما قال إنه لا أحد يريد حل هذه القضية لأن "فيه ناس كتير بياكلوا من وراها عيش"!