إلام تشير المظاهرات والاحتجاجات التي تشهدها الولاياتالمتحدة حاليا ضد ما أسماه المحتجون والنشطاء "جشع الشركات"؟! وإلام يشير ما شهدته بريطانيا في أغسطس الماضي من احتجاجات واضطرابات وأعمال شغب عمت العديد من المدن.. كان سببها الظاهري مقتل أحد الشباب أما السبب الخفي والذي ذكرته صحيفة "الجارديان اليسارية" وقتها فهو الحرمان الاجتماعي ووحشية الشرطة وتخفيض الإنفاق علي الخدمات الاجتماعية واتساع الفجوة بين الأغنياء والفقراء! كيف نفسر ما تشهده اليونان من احتجاجات واضطرابات وتظاهرات ردا علي اجراءات التقشف التي فرضتها الحكومة بسبب العجز عن سداد الديون؟! بماذا نفهم التخفيض الائتماني لايطاليا.. وأزمة الديون الأمريكية؟! كيف نفهم كل ذلك بالتزامن مع الثورات العربية أو ما يسمي ب "الربيع العربي"؟! عندما انهارت الشيوعية بسقوط الاتحاد السوفيتي عام 1989 خرج علينا الكاتب والمفكر الأمريكي فرانسيس فوكوياما بمقال في مجلة "ناشيونال انترست" يحمل نظرية سياسية حديثة تحت عنوان "نهاية التاريخ".. حيث يؤكد من خلال هذه النظرية.. ان الصراع التاريخي المتكرر بين "السادة" و"العبيد" لن يجد له نهاية علي أرض الواقع سوي في الديمقراطيات الغربية واقتصاد السوق الحر.. وأن المستقبل سوف يكون للرأسمالية! الآن .. أصبح العالم كله تقريبا يسير بنظام السوق الحر. والآن أو منذ زمن بعيد تسير أمريكا بنظام السوق الحر.. العالم العربي قبل الثورات حتي وان كان يخضع لنظم استبدادية كان يتبني نظام السوق الحر فما الذي جري.. وكيف نفسر الانهيار والفساد الذي أصاب هذه الدول ؟! فأين اذن نظرية فوكوياما التي يعود تاريخها إلي المقال الذي نشره عام 1989 ثم وضعها في كتاب بالعنوان نفسه بعد ذلك بثلاث سنوات؟! وهل ما يجري علي الساحة العالمية يعد إرهاصا بفشل الرأسمالية وسقوط نظرية فوكوياما؟! لا جدال في أن فوكوياما انطلق في نظريته هذه من انتمائه للمحافظين في أمريكا.. وهذا يطعن في مصداقيته ويرجح انحيازه للفكرة التي طرحها! والمشكلة في النظام الرأسمالي خصوصا اذا عمد للتطرف والانحياز الحاد نحو "الفردانية" أو ما يسمي بالمذهب الفردي وإطلاق الحرية له.. أنه ينبع من غريزة حب التملك والسيطرة واطلاق العنان لها وبالتالي يترك الغرائز علي اختلاف أنواعها تقود حركة المجتمع. الأمر الذي يمكن معه القول بأن مبدأ "دعه يعمل .. دعه يمر" قد انقلب إلي مبدأ "دعه ينهب .. دعه يفر"..!! لقد أدت عولمة الرأسمالية إلي ظهور الشركات عابرة القوميات أو عابرة الجنسيات.. وهذه الشركات لم تعبر القوميات ولا الجنسيات إلا بحثا عن المال.. والمال فقط .. وبالتالي لم يعد هناك قيمة لدي أصحابها لأي أبعاد اجتماعية أو انسانية نظراً لعدم انتماء أي من هذه الشركات أو أصحابها لمجتمع بعينه. حيث انها لا تتبع غير ملاكها.. أما العمال والموظفون فقد تحولوا إلي مجرد أداة من أدوات الانتاج والتربح.. ولا يختلف شأنهم عن شأن الآلة والسيارة والمبني.. وعملت هذه الشركات في ظل حكومات خاضعة لسيطرة رأس المال وتتبع أسلوب "دعه ينهب .. دعه يفر". الأمر الذي أدي إلي تفاقم الأوضاع المتردية للعمال والموظفين في كثير من البلدان والدول! من هنا .. فإن ما تشهده معاقل الرأسمالية العالمية. مثل أمريكا وبريطانيا وإيطاليا واليونان وغيرها من الدول الليبرالية.. وغرق هذه الدول في مشكلات الديون والبطالة والفوارق الاجتماعية الرهيبة.. كل ذلك يمثل صدوعاً وفوالق تهدد بزلزلة وانهيار النظام الرأسمالي أو الليبرالي من أساسه! لقد انهارت الشيوعية من قبل .. وهاهي بوادر انهيار النظام الرأسمالي تلوح في الأفق .. وعلي الإنسانية أن تبحث عن نظرية أو نظام يضمنان الفوز بالحد الأدني من الرضا الاجتماعي والتوافق المجتمعي. حتي لا تبغي فئة علي أخري ولا تجور طبقة علي حقوق غيرها ويتحقق التوازن والاستقرار.. وان كنت أعتقد أن هذه الأمنية ستظل بعيدة المنال ما دمنا نعيش في مجتمع البشر!