تقديم الأموال علي الأولاد في القرآن والعكس من وجوه الإعجاز البياني في القرآن الكريم أن كل لفظة موضوعة بما يتناسب مع سياقها وموضوعها. فتري الكلمة قدمت في موضع وأخرت في موضع آخر تناسباً مع سياقها وموضوعها وغرضها. فليس التقديم والتأخير والتكرار عبثاً أو هدراً. ومن ذلك ما جاء في قوله تعالي في آية الكهف: "الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا" "الكهف:46". ونظير ذلك قوله تعالي في آية التغابن: "إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةى" "التغابن:15". في حين أنك تجد تقديم البنين علي المال في آية آل عمران في قوله: "زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ" "آل عمران:14". والحكمة في هذا التأخير وذاك التقديم أن السياق يقتضيه. فنجد تقديم المال علي الولد حيث تكون الفتنة والإغراء والزينة والاستعانة. وذلك لأن المال قوام الحياة والزينة أشد فتنة من فتنة الولد فقُدم عليه. وحينما يكون السياق عن الحب والمحبة يقدم الولد علي المال؛ لأنه الأحب إلي الرجل؛ ولذلك تجد تقديمه علي المال في آية آل عمران حيث قال الله تعالي: "زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ" "آل عمران:14". روعة الشعر استدعي أحد الخلفاء شعراء مصر. فصادفهم شاعر فقير بيده جرّة فارغة ذاهباً إلي البحر ليملأها ماء فرافقهم إلي أن وصلوا إلي دار الخلافة. فبالغ الخليفة في إكرامهم والإنعام عليهم. ولمّا رأي الرجل والجرّة علي كتفه ونظر إلي ثيابه الرّثة قال: من أنت؟ وما حاجتك؟ فأنشد الرجل: ولما رأيتُ القومَ شدوا رحالهم .. إلي بحرِك الطَّامي أتيتُ بِجرتي فقال الخليفة : املأوا له الجّرة ذهباً وفضّة؛ فحسده بعض الحاضرين وقالوا للخليفة : هذا فقير مجنون لا يعرف قيمة هذا المال. وربّما أتلفه وضيّعه. فقال الخليفة: هو ماله يفعل به ما يشاء. فمُلئت له جرّته ذهباً. وخرج إلي الباب ففرّق المال لجميع الفقراء. وبلغ الخليفة ذلك. فاستدعاه وسأله علي ذلك فقال: يجود علينا الخيّرون بمالهم .. ونحن بمال الخيّرين نجود فأعجب الخليفة بجوابه. وأمر أن تُملأ جرّتُه عشر مرّات. وقال : الحسنة بعشر أمثالها فأنشد الفقير هذه الأبيات الشعرية التي يتم تداولها عبر مئات السنين: الناس للناس مادام الوفاء بهم والعسر واليسر أوقات وساعات وأكرم الناس ما بين الوري رجل تقضي علي يده الناس حاجات لا تقطعن يد المعروف عن أحد ما دمت تقدر والأيام تارات واذكر فضيلة صنع الله إذ جعلت إليك لا لك عند الناس حاجات قد مات قوم وما ماتت فضائلهم وعاش قوم وهم في الناس أموات أخطاء شائعة يقولون: استسلم حسام إلي سبات عميق. والصواب: إلي نوم عميق؛ لأن السبات هو النوم الخفيف. يقولون: ركَّز فكره في كذا. والصواب: حصره في كذا؛ لأن ركز الشيء معناه: أقره وأثبته. يقولون: رأيت فلاناً في رابعة النهار. والصواب: رأيته في رائعة النهار. يقولون: هذه كلمة دخيلة. والصواب: هذه كلمة دخيل. يقولون: تدجج رشاد بسلاحه. والصواب: تدجج في سلاحه. أي دخل في سلاحه. أو لبس سلاحه. فائدة نحوية للإعراب أنواع أربعة: 1- الرفع؛ ويدخل الاسم. والفعل المضارع؛ مثل: سعيدى يقومُ. ومثل الخبر والمضارع في قول الشاعر يمدح خبيرًا حكيمًا: يَزنُ الأمورَ؛ كأنما هو صَيْرَفى ... يَزِنُ النُّضارَ بدقَّة وحسَاب 2- النصب؛ ويدخل الاسم. والفعل المضارع؛ مثل؛ إن سعيدًا لن يقبل الهوانَ. 3- الجر؛ ويدخل الاسم فقط. مثل: باللهِ أستعين. 4- الجزم؛ ويدخل الفعل المضارع فقط؛ مثل: لم أتأخرْ عن إجابة الصارخ. وقول الشاعر: إذا لم يعشْ حرًّا بموطنه الفتي ... فَسّمِ الفتي ميْتًا. وموطنَهُ قبْرَا فالرفع والنصب يدخلان الأسماء والأفعال؛ والجر مختص بالاسم؛ والجزم مختص بالمضارع.