طرح الرئيس عبدالفتاح السيسي رؤية مصرية شاملة لإصلاح عمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة بمختلف أنحاء العالم. وقال الرئيس في كلمته أمام قمة مجلس الأمن التي عقدها المجلس حول إصلاح عمليات حفظ السلام.. إن مصر لم تحجم عن المشاركة في أصعب مهام الأممالمتحدة لحفظ السلام وأكثرها خطورة. وتضمنت رؤية مصر التي طرحها الرئيس ضرورة تبني نهج جديد في عمليات حفظ السلام. يستجيب للتغيرات السياسية والميدانية.. مع مراعاة الخصوصية السياسية والثقافية والاجتماعية للدول التي تعاني من النزاعات وعدم فرض قوالب سياسية معينة عليها من الخارج. ودعا الرئيس عبدالفتاح السيسي إلي تفعيل دور المنظمات الاقليمية مثل الاتحاد الأفريقي وغيره. وتنمية قدرات هذه المنظمات في مجال الإنذار المبكر والوساطة. وفيما يلي نص الكلمة التي ألقاها الرئيس عقب اعتماد القرار: "صاحب المعالي هايلا ماريام ديسالين رئيس وزراء دولة إثيوبيا ورئيس مجلس الأمن. السادة أصحاب الفخامة رؤساء دول وحكومات الدول الأعضاء بمجلس الأمن. السادة الحضور: إنه لمن دواعي سروري أن أشارك اليوم في أعمال قمة مجلس الأمن حول عمليات حفظ السلام. والتي تنعقد بمبادرة مُقدرة من إثيوبيا. وأود بداية أن أرحب باعتماد مشروع القرار المعنون "مراجعة عمليات حفظ السلام". والذي يعد خطوة في الاتجاه الصحيح لتعزيز منظومة السلم والأمن الخاصة بالأممالمتحدة. السيد الرئيس. السادة الحضور. لقد كانت مصر من أوائل الدول الداعمة لعمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة. بدءاً بمشاركتها في أول مهمة حفظ سلام متعددة الأبعاد في الكونغو عام 1960. وانتهاءً بكونها سابع أكبر الدول مساهمة بقوات في مهام حفظ السلام الأممية حالياً. وقد وصل عدد البعثات التي شاركت فيها مصر إلي 37 بعثة أممية. بإجمالي قوات تجاوز 30 ألف فرد منذ بداية مشاركتنا في عمليات حفظ السلام. في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية وأوروبا. وطوال هذه العقود. لم تحجم مصر عن المشاركة في أصعب مهام الأممالمتحدة وأكثرها خطورة. وأولت الاهتمام الواجب بالتدريب والتأكد من أعلي مستويات الجاهزية والكفاءة. وضربت مثلاً يحتذي به في السلوك والانضباط وعدم التسامح مع أي تجاوز. وساهمت في بناء القدرات الإقليمية لحفظ السلام. لاسيما الأفريقية والعربية. السيد الرئيس. السادة الحضور. إننا اليوم. وإذ نرحب بقرار مراجعة عمليات حفظ السلام. فإننا نتطلع لأن يكون هذا القرار خطوة علي طريق الإصلاح الحالي الذي تقوم به المنظمة. مع التركيز علي معالجة أوجه القصور العملياتي والفني. وذلك سعياً للتوصل إلي رؤية متكاملة لسبل منع النزاع واستدامة السلام. وتطوير دور حفظ السلام في تحقيق تلك الرؤية. وآليات صنع القرار اللازمة لذلك. وفي هذا الصدد. أود أن أطرح النقاط التالية: أولاً: إنه مع التسليم بأهمية حفظ السلام كإحدي أهم أدوات المجتمع الدولي لصون السلم والأمن الدوليين. فلا يجب أن يكون الأداة الوحيدة لتحقيق هذا الغرض. فحفظ السلام ليس بديلاً عن الجهود الدبلوماسية الوقائية. أو الوساطة. أو بناء السلام. أو غيرها من الأدوات السياسية أو الاقتصادية والاجتماعية. الرامية إلي علاج جذور المشكلات ورأب الصدع الاجتماعي. وبالمثل. فإن حفظ السلام لا يمكن أن يكون هو رد الفعل المبدئي لكل أزمة. وفي هذا الإطار. فقد حرصت مصر خلال الأعوام الثلاثة الماضية علي الدعوة لتبني مقاربة استراتيجية جديدة. تتعامل مع عمليات حفظ السلام في إطار مفهوم يتضمن خطط عمل سياسية وبرامجية وعملياتية متكاملة. وبحيث تُعدَّل ولايات عمليات حفظ السلام بصورة مستمرة استجابة للمتغيرات السياسية والميدانية. الأمر الذي يتفق إلي حد بعيد مع مواقف العديد من دول العالم. وكذا مع رؤية السكرتير العام. والذي لا تفوتني الفرصة هنا للإشادة بجهوده في تفعيل أدوات السكرتارية وتنشيط دورها السياسي. وهو ما يستحق الدعم والتأييد. إن مصر تري أن مثل هذه المقاربة أصبحت ضرورة في ضوء التحديات الجسيمة المرتبطة بالنزاعات المسلحة. وما تخلفه من إضعاف المؤسسات الوطنية وتقليص قدرة الدولة علي توفير الخدمات الأساسية. وتمزيق النسيج الاجتماعي. وكذا في ضوء التشابك بين النزاعات وتهديدات الإرهاب والجريمة المنظمة. وغيرها من التهديدات والتحديات للسلم والأمن الدوليين. ثانياً: يرتبط بما سبق دعوة مصر للمجتمع الدولي بإعطاء الأولوية دوماً لجهود تسوية النزاعات. وتقديمها علي منهج إدارة النزاع. والذي نتج عنه تجميد النزاعات واستمرار بعضها لعقود. دون أفق سياسي للحل. مثلما نشهد للأسف الشديد في منطقتنا العربية وقارتنا الأفريقية. وهي النزاعات التي سرعان ما تتأجج تحت وطأة الأسباب السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي أدت لاشتعالها. في هذا السياق. أضم صوتي إلي لجان المراجعة الأممية لعام 2015. والتي أجمعت علي ضرورة إيلاء الأولوية للجهود السياسية. واعتبار ذلك أساساً لمهام الأممالمتحدة المختلفة. سواء مهام حفظ السلام أو المهام السياسية الخاصة. ثالثاً: مع أهمية الدور الذي تقوم به مهام الأممالمتحدة. فإن دورها لا يجب أن يكون بديلاً لدور الحكومات أو مؤسسات الدول المستضيفة. كما لا يجب السعي لفرض وصاية عليها. إنما يجب العمل علي توفير بيئة أمنية وسياسية حاضنة لتعزيز الملكية الوطنية لجهود المصالحة وبناء السلام. بما يعكس أولويات تلك الدول والمجتمعات. وأود هنا تأكيد أهمية عدم فرض أنماط أو قوالب أو نظم سياسية معينة علي الدول التي تشهد نزاعات وإيلاء الاهتمام اللازم بمراعاة خصوصياتها السياسية والثقافية والاجتماعية بما يضمن إنجاح جهود حفظ السلم والأمن وبناء السلام. كما أود الإشارة إلي أن مسئولية حماية المدنيين والدور المحوري الذي تقوم به قوات حفظ السلام في هذا الإطار لا يجب أن يفتئت علي المسئولية الأساسية التي تقع علي عاتق الدول المستضيفة في حماية مواطنيها. بل يجب أن يقترن بتطوير وتوسيع مفهوم الحماية للتركيز علي بناء قدرات الدول والمجتمعات المستضيفة. وبحيث يعكس خصوصياتها وأولوياتها. رابعاً: دعوني أكون أكثر صراحة. فإن استئثار بعض الدول بصياغة ولايات مهام حفظ السلام. مع عدم المراعاة الكاملة لمشاغل واهتمامات الدول المشاركة بقوات. هو أمر لا يساعد علي نجاح تلك المهام. بل قد لا يكون عملياً في التنفيذ. لما ينتج عنه في العديد من الأحيان من افتقاد للفهم المشترك بين مجلس الأمن وسكرتارية الأممالمتحدة والدول المشاركة بقوات في عمليات حفظ السلام. لذا. فإني أدعو لإنشاء آلية تشاورية مؤسسية فعالة بين تلك الأطراف الثلاثة وهي الدول الرئيسية المساهمة بالقوات. وأعضاء مجلس الأمن. وسكرتارية الأممالمتحدة تمكنهم من التشاور في كافة مراحل تطوير وتجديد ومراجعة ولايات بعثات الأممالمتحدة. وأخيراً: مما لا شك فيه أن المسئولية الأساسية لحفظ السلم والأمن الدوليين تقع علي مجلس الأمن. بيد أنه من المؤكد أيضاً أن هناك دوراً هاماً وحيوياً للمنظمات الإقليمية المتواجدة في مناطق النزاع. وهو دور أرساه ميثاق الأممالمتحدة في فصله الثامن. وأود هنا أن أشير تحديداً إلي الاتحاد الأفريقي الذي تقدم شراكته الناجحة مع الأممالمتحدة نموذجاً يُحتذي به. خاصة في مهام حفظ السلام التي قادها الاتحاد الأفريقي لتثبيت الأوضاع ثم انتقلت إلي الأممالمتحدة. أو العمليات الهجين التي تنفذها المنظمتان سوياً. لاسيما وقد بات لهيكل السلم والأمن الأفريقي دوره المحوري في تسوية النزاعات في القارة. وليس فقط إدارتها. ويمكن لهذا التعاون أن يتم تعزيزه. والبناء علي الميزات النسبية المتوفرة للمنظمة الأممية والاتحاد الأفريقي. في وقت تسعي فيه الأممالمتحدة للاستغلال الأمثل لمواردها. وأذكر هنا بأهمية تفعيل اتفاقية تعزيز الشراكة بين الأممالمتحدة والاتحاد الأفريقي الموقعة في شهر أبريل الماضي. بالإضافة إلي ذلك. يجب علي الأممالمتحدة الالتفات للمنظمات الإقليمية الأخري والإسهام في رفع كفاءاتها وتعزيز خبرتها بما يمكنها من التعامل مع النزاعات الإقليمية وتنمية قدراتها في مجالات الإنذار المبكر والوساطة. وإذا ما دعت الحاجة للتعاون معها في نشر مراقبين ومهام لحفظ السلام. ويحضرني هنا تحديداً جامعة الدول العربية التي يمكن أن يكون لها دور فاعل إقليمياً بالوطن العربي. السيد الرئيس. السادة الحضور. أود في الختام التأكيد مجدداً علي مواصلة مصر القيام بدورها الإقليمي والدولي. وبذل كافة الجهود للقضاء علي تحديات السلم والأمن الدوليين وإرساء السلام والاستقرار. بما في ذلك من خلال مشاركتها النشطة في المنظمات الدولية والإقليمية. واستمرار الارتقاء بمساهماتها في عمليات حفظ السلام كإحدي أكبر الدول المساهمة بقوات". بداية الجلسة كان الرئيس قد شارك في القمة التي ترأسها رئيس وزراء إثيوبيا بصفته رئيس مجلس الأمن لشهر سبتمبر بحضور عدد من رؤساء الدول والحكومات. منهم رؤساء فرنسا والسنغال وأوكرانيا ورؤساء حكومات إيطاليا وبريطانيا والسويد ونائب الرئيس الأمريكي. بالاضافة إلي سكرتير عام الأممالمتحدة ورئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي. وشارك الرئيس في التصويت علي القرار الخاص بمراجعة عمليات حفظ السلام الذي اعتمده المجلس بالاجماع.