المسافة من النادي الأهلي بالجزيرة إلي شارع المبتديان المتفرع من شارع قصر العيني بالسيارة لا تستغرق أكثر من 5 دقائق علي أكثر تقدير.. لكنني قطعتها بالأمس في أكثر من ساعة!! شارع قصر العيني مغلق بأتوبيسات النقل العام نتيجة لإضراب العمال.. لم يكتفوا بالامتناع عن العمل وتعطيل مصالح المواطنين.. وإنما أغلقوا الشارع بالأتوبيسات ليمنعوا بقية السيارات من المرور. والنتيجة أن جميع السيارات تحولت إلي شارع منصور الموازي لقصر العيني. وهو شارع ذو اتجاهين.. فتكدست السيارات فيه وتوقفت بدون حركة.. وكل 5 دقائق تتحرك السيارات عجلة واحدة لتتوقف من جديد!! ما ذنب مصر والمصريين لتقع هذه المعاناة.. ما ذنب مصر أن تتوقف عجلة الإنتاج فيها في الوقت الذي تتراجع فيه الحالة الاقتصادية بشكل ينذر بخطر محدق.. وما ذنب المواطن المصري أن تتعطل مصالحه الشخصية ويضيع وقته هباء في الشوارع دون أن يصل إلي المكان الذي يتجه إليه. هذه المهازل التي تحدث كل يوم ستقلب مشاعر الناس رأساً علي عقب.. سوف يتساءلون: هل هذه هي الثورة؟! هل الثورة تعني الفوضي؟! إضرابات فئوية يومية لا تنتهي.. الكل يبحث عن الفلوس.. زيادة المرتبات.. زيادة الحوافز.. تعديل الكادر.. فلوس.. فلوس.. فلوس!! الكل يبحث عنها ويريد الحصول عليها دون أن يعمل!! من أين تأتي الحكومة بالفلوس في ظل حالة الفوضي هذه؟! الحزانة تمتلئ إذا كان هناك إنتاج.. وتفلس إذا تقاعس العاملون عن العمل.. هذه الفوضي وهذه المطالبات الفئوية لماذا لم تكن بهذا الشكل قبل قيام الثورة؟! الكل كان يخاف لاشك في ذلك.. ولذلك كان الكل يعمل.. أما الآن فالكل فهم الحرية خطأ.. فهمناها بلطجة.. وإضرابات ومظاهرات واعتصامات ومليونيات فقط. لم نفهم الثورة بمعناها الحقيقي.. لم نفهمها علي أنها نظام وانتظام.. لم نفهمها علي أنها التزام وإنتاج وتطور إلي الأفضل. لا أفهم.. لماذا لم يرسل المجلس الأعلي للقوات المسلحة أوناش الجيش لسحب سيارات الأتوبيس التي تغلق شارع قصر العيني والشوارع المؤدية له؟! لماذا هذه الحساسية الزائدة عن الحد؟! الناس "زهقت" والغالبية صامتة ومغلوبة علي أمرها.. وأصحاب الصوت العالي يخرجون علينا كل يوم بجديد. عدد الأحزاب اقترب من الخمسين ولا يتفقون علي شيء.. وائتلافات شباب الثورة لا ألفة بينها.. إخوان.. وسنيون.. وسلفيون.. وصوفيون.. وليبراليون.. ويساريون وشيوعيون.. وحتي نازيون.. وفلول.. وفضائيات لا حصر.. وضيوف يتكلمون في كل شيء وأي شيء.. والكل يريد الظهور و"يطلع" في الصورة.. الكل "ثورجي" حتي ولو كان لا يفهم معني الثورة.. لكن المهم أن يركب الموجة!! الثورة الحقيقية أسقطت نظاماً فاسداً. ورموزه يحاكمون الآن.. والقضاء الحر النزيه سيقول كلمته فيهم.. لكن ما يحدث الآن ليس ثورة ولا يمت لها بصلة. صبرنا طال فإلي متي نصبر؟!