من الذين سجل التاريخ أسماءهم بحروف من نور.. سجلهم حافل بالأمجاد وتحمَّل الأذي في سبيل دعوة الحق وكانت كلمة "أحد أحد" هي التي ترطب لسانه وقلبه مؤكداً بها وحدانية الحق تبارك وتعالي انه رجل من السابقين في الإسلام اسمه بلال بن رباح يكني بأبو عبدالكريم وقيل أبا عبدالله وأمه حمامه من مولدي مكة لبني جمع. وهو مولي أبو بكر الصديق اشتراه بخمس أواق وأعتقه لوجه الله عز وجل. بلال كان من السابقين في الإسلام ومن الذين عذبوا عذاباً أليماً بعد أن دخل الدين الحنيف. وكان من الصابرين علي هذا العذاب الذي يفوق طاقة البشر. ومن صنوف العذاب التي كان يتعرض لها أن أبا جهل كان يبطحة علي وجهه تحت لهيب ووهج حرارة الشمس. ويضع الرحا عليه حتي تصهره الشمس. ويقول له: أكفر برب محمد فيقول بلال: أحدى. أحد وفي أحد الأيام مر عليه ورقة بن نوفل وهو تحت وطأة التعذيب ويردد: أحدى. أحد فقال ورقة: يا بلال. أحدى أحد. والله لئن مت لاتخذن قبرك مكاناً أتبرك به. يقول سعيد بن المسيب: إن رسول الله صلي الله عليه وسلم لقي أبا بكر رضي الله عنه فقال: لو كان عندنا شيء لاشترينا بلالاً. قال: فلقي أبو بكر العباس بن عبدالمطلب فقال له أبو بكر: اشتر لي بلالاً. فانطلق العباس نحو السيدة التي تملك بلالاً. فقال لها: هل لك أن تبيعني بلالاً قبل أن يفوتك خيره؟ قالت: وما تصنع به. إنه خبيث. وإنه وإنه أخذت تذكر بعض المساوئ وفي النهاية اشتراه منها وبعث به إلي أبي بكر. وقيل إن أبا بكر اشتراه وهو مدفون تحت الحجارة يعذب تحتها. وبعد خروجه من وكر التعذيب وأصبح حراً طليقاً فقد آخي الرسول صلي الله عليه وسلم بينه وبين أبي عبيدة بن الجراح بلال كان حسن الصوت وسبحان مغير الأحوال فقد اختار الرسول صلي الله عليه وسلم بلالاً لكي يصدح بالأذان من فوق الكعبة. يردد الأذان: الله أكبر. الله أكبر علي مسمع ومرأي من أهل الشرك والكفر كله. وصار أول مؤذن في الإسلام وكان يؤذن لرسول الله صلي الله عليه وسلم في السفر والحضر. وقد أراد شخص آخر أن يؤذن بدلاً من بلال وتقدم لرسول الله صلي الله عليه وسلم طالباً الاستجابة لرغبته لكن الرسول اعتذر بأخلاقه الكريمة كعادته ثم قال: دع بلال فإنه أندي صوتاً!! ظل بلال في موقعه يؤذن لرسول الله صلي الله عليه وسلم حين يأتي وقت فلما توفي رسول الله صلي الله عليه وسلم أراد أن يخرج إلي الشام. فقال له أبو بكر: بل تكون عندي. فقال بلال: إن كنت اعتقتني لنفسك فاحبسني. وإن كنت أعتقتني لوجه الله فذرني أذهب إلي الله عز وجل فقال أبو بكر: اذهب فذذهب إلي الشام. فكان به حتي مات وقيل: إنه أذن لأبي بكر بعد النبي صلي الله عليه وسلم . ونقل جماعة منهم محمد بن العباس أن بلال حين جاء لأبي بكر يستأذنه في الخروج إلي الشام مجاهداً في سبيل الله. فقال له أبو بكر: أنشدك الله يا بلال. وحرمتي وحقي فقد كبرت واقترب أجلي. فاستجاب بلالاً وظل حتي توفي أبو بكر. وهنا جاء بلال إلي عمر رضي الله عنه وطلب أن يأذن له. فقال له: وما يمنعك أن تؤذن؟ فقال بلال: أذنت لرسول الله حتي قبض ثم لأبي بكر حتي قبض لأنه كان ولي نعمتي وقد سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول: يا بلال ليس عمل أفضل من الجهاد في سبيل الله. فأذن له عمر فخرج إلي الشام مجادهاً. وعندما دخل عمر رضي الله عنه الشام أذن له بلال فلم ير باكياً أكثر من ذلك اليوم وأياً كانت الروايتين فقد استقر بلال بالشام ثم طلب بلال من عمر أن يأذن لأخيه أبو رويحة الذي آخي بيني وبينه رسول الله صلي الله عليه وسلم فأذن لهما عمر رضي الله عنه فاستقر الاثنان في قرية داريا من أعمال دمشق. وحين قدم الاثنان علي أهل هذه الديار فقال لهم بلال: قد آتيناكم خاطبين. وقد كنا كافرين. فهدانا الله. وكنا مملوكين فاعتقنا الله. وكنا فقيرين فاغنانا الله فإن تزوجونا فالحمد لله وأن تردونا فلا حول ولا قوة إلا بالله. فزوجوها وظل الاثنين بهذه الديار. ومن المفارقات في حياة بلال أن الله قد من عليه فاشترك في قتل أبو جهل. أما المفارقة الأكثر فقد رأي بلال رسول الله صلي الله عليه وسلم في منامه وهو يقول: ما هذه الجفوة يا بلال. أما آن لك أن تزورنا فانتبه حزيناً وركب للمدينة المنورة وأخذ يبكي ويتمرغ عند القبر الشريف فأقبل الحسن والحسين رضي الله عنهما فجعل يقبلهما ويضمهما فقالا: نشتهي أن تؤذن في السحر. فعلا سطح المسجد فلما قال: الله أكبر ارتجت المدينة. وهنا خرج الجميع حتي النساء من خدورهن فما رؤي باكياً في يوم أكثر من هذا اليوم رحم الله بلالاً الذي بشره رسول الله صلي الله عليه وسلم بالجنة. وجزاه الله خيراً فقد كان من أهل الإيمان السابقين.