تم بسلام إزالة برج الأزاريطة المائل بالاسكندرية.. بقي إزالة الحال المائل الذي أفرزه. كثيرون ربما حزنوا لإزالته. كانوا يرونه إحدي عجائب الدنيا. تمنوا لو أن الدولة أبقت عليه وحولته إلي مزار سياحي للسائحين المصريين والعرب والأجانب. وحققت من ورائه عائداً بدلاً من نسفه.. قارنوه ببرج بيزا المائل في إيطاليا وكيف أصبح أحد أشهر معالمها. الذين تصوروا ان ذلك ممكن فكروا بحسن نية ونسوا الفارق بين البرجين. حين يزور السائحون الأجانب برج بيزا الإيطالي. يجدون مرشداً سياحياً أو مرشدة يتحدث إليهم باعتزاز وفخر عن العبقرية الهندسية وراء تصميم البرج علي هذا النحو. ويذكر بزهو أسماء من شاركوا في تشييده. تخيل لو أننا أبقينا علي برج الأزاريطة المائل. وحولناه إلي مزار سياحي. جاءت مجموعة من السائحين الأجانب لزيارته.. ماذا سيقول لهم المرشد السياحي المصري أو المرشدة عن أصل البرج وتاريخه؟! هل يستطيع أن يحدثهم "بفخر" عن العبقرية الهندسية وراء إقامة البرج علي سطح الأرض دون عمق ودون خوازيق. وتعليته بالعديد من الأدوار المخالفة دون ترخيص؟! هل يستطيع أن يذكر لهم "بزهو" أسماء من شاركوا في تشييده. ابتداءً من مالك الأرض. إلي من صدرت الرخصة باسمه. إلي كل مسئولي الحي الذي يقع مقره خلف البرج. والذين ارتفع هذا البرج بمخالفاته أمام أعينهم دون أن يتحركوا أو يباشروا مسئوليتهم في وقفه قبل أن يكتمل ويتم تسكين البشر فيه؟! لن يستطيع ذلك بالتأكيد. كما لا يستطيع أن يذكر كم من الأموال قبض كل مسئول رأي المخالفة. من أجل أن يغض الطرف عنها. الدول والشعوب تتفاخر بما يستحق الفخر. أما ما يستوجب العار والخزي. فليس له إلا القول المأثور "إذا بليتم فاستتروا". في ألمانيا قبل نحو عشر سنوات. وخلال زيارة خاصة. حدثونا عن عبقرية جديدة في مجال البناء. عمارة كاملة كان موقعها يعترض مشروعاً عاماً كبيراً.. جاءوا بفريق من المهندسين ليبحث الأمر.. استبعدوا الإزالة. كما أن تعديل مسار المشروع لتفاديها كان مستحيلاً.. ماذا فعلوا؟! تمت عملية غاية في الدقة والحساسية لفصل العمارة عن أساسها. ثم تحميلها وهي قائمة بهيئتها الكاملة علي عجلات. وتحريكها في مسار جهزوه لذلك إلي موقع جديد قريب أعدوه لها لتستقر فيه علي أساسات جديدة. شيء بالطبع قد لا يصدقه البعض. لكنه حدث. وأظن أن مهندسنا العبقري المصري العالمي "هاني عازر" الذي كان يعيش في المانيا. وأقام للألمان أكبر محطة للقطارات في أوروبا كلها. كان أحد شهود واقعة العمارة المتحركة في برلين. ولحسن الحظ أنه أحد مستشاري الرئاسة الآن. إن بقاء برج الأزاريطة لو تم لم يكن ليستمر طويلاً فقد كان سينهار من تلقاء نفسه عاجلاً أم آجلاً بسبب طول فترة الميل. كما كان سيهدم البرج المقابل الذي يستند إليه. وحياة سكان المنطقة كلها. الحالة الوحيدة التي كان يمكن الإبقاء عليه. لو كان قد دفعنا إلي إطلاق حملة قومية لا هوادة فيها لتطهير المحليات وإداراتها الهندسية علي مستوي كل محافظات مصر من الفاسدين والمفسدين. وإزالة جميع مخالفات البناء والتعلية بدون ترخيص. ووضع نظم وقوانين جديدة صارمة تمنع تكرار ذلك كله. ساعتها كان يمكننا أن نشير بفخر إلي برج الأزاريطة المائل أمام العالم كله ونقول: هذا رمز للفساد الذي قضينا عليه. لكن هذا لم يحدث.. لقد أزلنا رمز الفساد.. وبقي الفساد.